دبلوماسية الشعر
يوسف أبو لوز
قبل فترة كتبت عن أطباء شعراء، أو العلاقة بين الطب والشعر، ويبدو أن الشعر كائن مشاكس جميل، فهناك علاقة بين الحرفيين والمهنيين مثل الحدادين والنجارين وقلاعي الحجارة وبين الشعر، وثمة علاقة بين السياسيين والدبلوماسيين وبين الشعر.. حتى بعض موظفي البنوك والمشتغلين في قطاع المال والأعمال.. شعراء، ولكنهم أقل من القليل.
كان شاعر تشيلي الكبير؛ بل، شاعر العالم «بابلو نيرودا» دبلوماسياً بدرجة سفير لبلاده في بعض دول العالم، ووظيفته الرفيعة هذه لم تجعله يجلس على كرسي في السفارة ويضع يده على خده؛ بل، توغل نيرودا في ثقافات وجماليات البلدان التي عمل بها، ولمس نبض شعوبها، وربما من هنا جاءت عالميته التي أوصلته إلى نوبل.
سان جون بيرس، الشاعر الفرنسي الذي حاز نوبل هو الآخر كان دبلوماسياً اسمه الحقيقي «الكسي سان ليجي ليجي» لكنه في الشعر اختفى وراء اسم مستعار هو «سان جون بيرس» ومن الملاحظ استعاراته الشعرية من الطبيعة على شكل دواوين مكتملة مثل أمطار في العام 1943، وقصيدة ثلوج في العام 1944، وقصيدة رياح في العام 1946 (المصدر: الموسوعة الحرة).
أشعر تجاه شعر «بيرس» بشيء من القسوة الماثلة في الصورة واللغة، ولكن وقع اسمه في العالم وفي فرنسا يتوازى مع شعراء كبار من بلاده مثل جاك بريفير، ورامبو، وبودلير وإيف بونفوا.. لكن هؤلاء لم يشتغلوا في السلك الدبلوماسي، أو في السياسة.
كان نزار قباني دبلوماسياً لفترة من الزمن في مرحلة من حياته، ولكنه من بيروت بنى امبراطورية من الكلمات شعراً أخضر، ويتبعه شعب من القرّاء، ولعله أول شاعر عربي يعيش حياة باذخة من وراء شعره، رغم أنه سليط اللسان أحياناً، ويدخل إلى مناطق لا يقبلها الكثيرون.
شغل الشاعر الأردني حيدر محمود (من أصل فلسطيني) منصب سفير الأردن في تونس سابقاً، وعمل فترة من حياته في الإعلام الإذاعي والتلفزيوني.. يلقي شعره بصوت ممتلئ، وزرع عمّان العاصمة الأردنية شعراً برائحة الدفلى والشيح.
حسن القرشي سفير السعودية سابقاً في موريتانيا والسودان شاعر معروف من جيل الرواد في المملكة، وكذلك غازي القصيبي السفير والوزير في فترات من حياته شاعر وروائي، والشاعر الأندلسي لسان الدين بن الخطيب كان يلقب «ذو الوزارتين».. وهذا الأخير لم يكن وزيراً فحسب، بل ودرس الطب والفلسفة، وامتلأ شعره بعطر قرطبة، وازداد عطراً على عطر بصوت فيروز:
جاءت معذبتي في غيهب الغسق
كأنها الكوكب الدري في الأفق
فقلت نورتني يا خير زائرة
أما خشيتي من الحراس في الطرق
فجاوبتني ودمع العين يسبقها
من يركب البحر لا يخشى من الغرق
yabolouz@gmail.com