دسائس ما بعد الحداثة
خيري منصور
المتخصصون في تعقيد البسيط وتبسيط المعقد، أو بمعنى أدق في ثنائية التهوين والتهويل، لا يحتكمون إلى الواقع كما هو، ولا يقيمون وزناً للحقائق، لأن ما يعنيهم أولاً وأخيراً هو استرضاء من يستأجر ذكاءهم ومهاراتهم لإعادة إنتاج الأحداث، بحيث تصبح الحبة قبة إذا تطلب الأمر، ثم تصبح سلسلة جبال مجرد أكوام من التراب، وهؤلاء ساهموا عبر مختلف العصور والأزمات في سد الآفاق، والتأزيم المفتعل الذي يصب الزيت على النار لأن انفراج الأزمات يؤدي إلى بطالتهم، وحرمانهم من استثمار الخلافات البينية، حتى لو كان حلها وتحقيق الائتلاف متاحاً إذا توفرت النوايا الحسنة!
وما يسمى المؤامرة في أدبيات السياسة غالباً ما يأتي كغطاء لشيء آخر تماماً، ولهذه الظاهرة تجليات تبدأ من الحياة الاجتماعية وشجونها اليومية ثم تصل إلى نطاق دولي، وحين نقرأ التاريخ نجد أن ما يسمى الدسائس كان له دور البطولة في حروب وصراعات، منها ما دام عقوداً بحيث حملت بعض الحروب في تاريخ أوروبا أسماء مثل حرب السبعين سنة أو حرب المئة عام، وليس المقصود بهذا تبسيط قضايا بالغة التعقيد ومنها النزاعات بين البشر. على طريقة المثل الشعبي القائل، إن من يتدخل بين البصلة وقشرتها لا يحصد غير الخيبة!
وما صدر خلال القرن الماضي من أبحاث عن إدارة الأزمات، والعمل على إجهاضها قبل أن تتفاقم بقي معظمه في نطاق التداول الأكاديمي، وأشبه بوصفات نظرية لم تجد الصيدليات القادرة على صرفها!
وفي عالمنا العربي هناك متخصصون في فلسفة التأزيم والتوتير بحيث يتحول هذا النشاط الشيطاني إلى نمط إنتاج.
وانتظار ما يصدر عن هذه السلالة من مواعظ وأطروحات باعتباره السبيل إلى الائتلاف بعد اختلاف هو أشبه بانتظار العسل من البعوض أو الذباب!
وكان لدى العديد من الأطراف المتنازعة فرصة التدارك. وتفادي الخسائر لو أنها أدركت دور هؤلاء في تهويل البسيط وتهوين المعقد!