«دكتور إنترنت» وطبيب سقط سهواً
مارلين سلوم
لم يعد الخوف من المرض مرهوناً بحالتك الصحية ورغبتك بالعيش بشكل سليم، بل إن خوفك من المرض صار في جزء كبير منه مرتبطاً بخوفك من الوقوع أسير «تشخيص خاطئ» أو «وصفة طبية مسمومة».
ككثير من المواد التي نشتريها ونستهلكها، أصبح الدواء أيضاً مجرد سلعة تباع في الأسواق بمختلف الأشكال، منها ما هو أصلي وفعّال، ومنها ما هو أقل جودة وفعالية وإن حمل نفس المواصفات، ومنها «المغشوش».. والمستهلك يبحث عن الأفضل والأرخص أحياناً كثيرة، فيقع في فخ النصابين من تجار الأدوية الذين ينتشرون في كل مكان، خصوصاً عبر الإنترنت، وهو ما أكده ملف «الأدوية المغشوشة» الذي نشرته «الخليج» أمس.
التواصل الاجتماعي تدخّل في كل تفاصيل الحياة، صار بوابة عبور النصابين والسارقين والمروّجين للمخدرات وللعقاقير إلى البيوت. والمصيبة أن الغش في الدواء يكلّف الإنسان أثمن الخسائر، فيقضي على صحته وعلى حياته. ورغم كل تلك المخاطر والتحذيرات الكثيرة، تجد من يشتري دواءه معتمداً على «دكتور إنترنت» الوهمي.
هي تجارة لا تقل انتشاراً وخطورة عن تجارة المخدرات وبيع الأعضاء، بل هي أسوأ لأنها مغلفة بوهم العلاج والشفاء من أمراض كثيرة حتى السرطان، تجد من يروّج لعقاقير أو تركيبات يصنعها ويبيعها، تشفي من أصعب الأمراض! ناهيك عن المروّجين للجمال عبر أدوية التنحيف وشفط الدهون والمكملات الغذائية والفيتامين.. وكأن الطب أصبح مهنة المشعوذين والسحرة والدجالين والنصابين.
السوبر ماركت صار صيدلية أيضاً، والأمر لا يقتصر على كريم للبشرة وما شابه، فهناك أدوية تحتاج فعلاً إلى وصفة طبية، خصوصاً التي تحتوي على أعشاب وأدوية التنحيف (الرجيم) والبرد والمنشطات.. متوفرة في أصغر وأكبر المتاجر، وكل يؤكد لك أنه يملك ترخيصاً ببيعها.
وزارة الصحة ووقاية المجتمع تملك أحدث الأجهزة لكشف الغش في الدواء خلال 7 ثوان، وهي تقف ل«تجار الموت» بالمرصاد، لكن مع تفشي ظاهرة «أدوية الإنترنت» كيف للمستهلك أن يميّز بين الدواء المغشوش والدواء السليم، والتاجر، من حامل الترخيص الصحيح؟ كثيرة مخاوفنا من التجارة غير المشروعة بالدواء، وكثيرة مخاوفنا من الأطباء غير الأكفاء الذين يكتبون لنا وصفات تزيد من المرض ولا تعالجه، مثل طبيب يصف دواء للحساسية ومضاداً للالتهاب لا يناسب من يعاني ارتفاعاً في ضغط الدم، علماً أنه يملك بين يديه التاريخ الطبي للمريض، ويعلم معاناته مع الارتفاع الزائد للضغط، فهل يجوز أن يسقط منه سهواً مثل هذا التفصيل الدقيق؟
نرجو أن تدقق وزارة الصحة والهيئات الصحية المحلية في سجلات الأطباء المسموح لهم بمزاولة المهنة، مثلما تعمل مشكورة على ملاحقة الغش في الدواء وتحذير الناس منهم، فالطبيب غير الكفء علّة في بدن الهيكل الطبي في أي دولة، هناك أطباء أكفاء لكن عملية البحث عنهم تتطلب منا جهداً وتجارب، قبل أن نصل إلى الطبيب الجيد والعلاج المناسب.
marlynsalloum@gmail.com