ذاك الذي يحب الشمس
د. حسن مدن
عرض المنبر التقدمي في البحرين مساء أمس الأول الفيلم الوثائقي: «ذاك الذي يحب الشمس»، عن الأديب البحريني محمد عبدالملك، أحد أبرز وأهم رواد القصة القصيرة، وتالياً الرواية، في منطقة الخليج العربي، وسط تفاعل لافت من الحضور مع مخرجة الفيلم ومعدته بسمة البنّاء، وهي شابة درست، ثم أصبحت تُدّرس حالياً في كلية الآداب بجامعة البحرين، مادة الاتصال.
هذه الشابة تقدم قدوة حسنة للشباب في البحرين وفي منطقتنا الخليجية كلها باهتمامها بتوثيق سيرة الوجوه الثقافية والإبداعية في وطنها، ممن وصفتهم هي نفسها في حديثها مع الجمهور بعد عرض فيلمها، بأنهم رجال في الظل، ولا يعرف عنهم الجيل الجديد الكثير.
محمد عبدالملك نموذج جيد لهؤلاء الرجال الطليعيين في الأدب والثقافة والتنوير، فعلى أهمية دوره الريادي فإنه إنسان شديد التواضع، حد الخجل، وآثر أن يكون بعيداً عن الأضواء، وأشارت بسمة في حديثها عن الصعوبة التي واجهتها في أن تحمل عبدالملك على التحدث لها، فترة إعداد الفيلم، عن دوره متعدد الأوجه.
فإضافة إلى كونه ذهب بفن القصة القصيرة في البحرين إلى مدارج لم يبلغها أحد قبله، فإنه أول من كتب الرواية في وطنه، منطلقاً من تجربته القصصية الثرية، فإن محمد عبد الملك مناضل انخرط باكراً في النضال الوطني ضد الهيمنة البريطانية، ومن أجل استقلال البحرين وحريتها وتوكيد حريتها العربية، بانتسابه، في فترة معينة، إلى حركة القوميين العرب التي نشطت في ستينات القرن العشرين، وإلى هذا كان عبد الملك رياضياً ومدرباً لواحد من فرق كرة القدم في البحرين، يومها، استطاع أن يدفع به إلى مواقع متقدمة.
سعت مخرجة الفيلم للإحاطة بهذه الوجوه المتعددة للرجل، من خلال حوارها معه، ومع عدد من القريبين إليه، من أقاربه وأصدقائه، من بينهم شقيقه الكاتب بدر وزوجته وابنه والكاتب عقيل سوار وآخرين، ولكنها قبل ذلك سعت للإحاطة بالبيئة التي نشأ فيها الكاتب في منطقة الحورة بالعاصمة المنامة، التي شكلت نموذجاً للحارة الشعبية في تجليات التحول الاجتماعي، السياسي الثقافي في البحرين بعد منتصف القرن العشرين، وهي ذاتها البيئة التي غرف منها محمد عبد الملك مادته الإبداعية من شخوص وأحداث.
مثل محمد عبدالملك توجد في البحرين وفي كل مجتمعات الخليج دون استثناء قامات ثقافية ومجتمعية أدت، وبالكثير من الصمت والتواضع، أدواراً فاصلة في شق طريق التقدم والمعرفة والإبداع والحداثة، ومثله أيضاً ما زال الكثير من هؤلاء «في الظل» كما قالت مخرجة الفيلم، ما يجعلنا نعول على مثل هذه المبادرة الجريئة من الطاقات والمواهب الشابة في أن تسلط الأضواء الكاشفة على عطاء من صنعوا حداثتنا ووعينا.
madanbahrain@gmail.com