غير مصنفة

رؤية أمريكية لكبح الطموح الروسي

عاصم عبد الخالق

عندما يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثلاث دول في الشرق الأوسط خلال يوم واحد فلا بد أن تشعر واشنطن بالقلق. ليس من السهل على الأمريكيين أن يروا خصمهم اللدود يصل إلى سوريا صباحاً، ويتوقف في القاهرة ظهراً قبل أن يحط رحاله في تركيا مساء.
وعندما يعلن بوتين أن جيشه انتصر على «داعش» في سوريا وأن المهمة اكتملت بنجاح فلا بد أن القلق الأمريكي سيتضاعف. ومن المؤكد أن الأمريكيين ينتابهم القلق أيضاً منذ سنوات وهم يراقبون عن كثب تزايد النفوذ الروسي في الشرق الأوسط والعالم.
في سبيله لتحقيق ذلك يستخدم بوتين كل ما لديه من أسلحة سياسية وعسكرية واقتصادية، بما في ذلك الطاقة والإنترنت. وهدفه النهائي هو استعادة وضع بلاده كقوة عالمية عظمى. بوتين في الواقع يسعى لتضميد جراح الكبرياء الوطنية والعزة القومية بعد مهانة الانهيار المذل للاتحاد السوفييتي.
ويعتقد بوتين أن لديه الآن فرصة تاريخية في ظل تنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة، واتساع الهوة بينها وبين حلفائها التقليديين في أوروبا بسبب سياسة أمريكا أولاً التي يتبناها الرئيس ترامب. وعبر هذه الهوة يتسلل الروس لملء الفراغ لا سيما في ضوء تراجع دور المؤسسات الدولية التي تشكل عماد النظام العالمي الذي أقامته وقادته الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. العالم يتغير بالفعل وروسيا ترصد هذا التغيير، وترصد أيضاً اتجاه الإدارة الأمريكية الحالية لمزيد من الانعزالية. وتعرف كيف تستفيد من كل ذلك وتوظفه لصالحها.
ومن الطبيعي أن تحرز روسيا بعض النجاح وأن تمنى بانتكاسات في الوقت نفسه. وفي المقابل من المنطقي أن يسعى الخبراء السياسيون في الولايات المتحدة لتقديم أفكارهم لمتخذي القرار بشأن سبل كبح الطموح الروسي غير المحدود.
واحد من تلك الاجتهادات العديدة طرحه مركز كارنيجي الشهير للأبحاث السياسية في واشنطن الأسبوع الماضي. وفي تقرير بعنوان «العودة العالمية لروسيا»، طرح المركز أربعة تصورات أساسية تمثل الخطوط العريضة غير التفصيلية لاستراتيجية مواجهة التحدي الروسي. التوصية الأولى هي أن يجيب متخذو القرار بوضوح تام على السؤال التالي: كيف تؤثر التصرفات الروسية على مصالح أمريكا وأهداف سياستها الخارجية؟ يعترف التقرير بأن الأنشطة الروسية ألحقت الضرر بالفعل بالمصالح الأمريكية في جوانب ومناطق عدة، إلا أنه وبصفة عامة يبقي الأثر رمزياً وليس مادياً في معظم الحالات. ومن المهم هنا التمييز بين الأهداف الروسية والنجاح في تحقيقها.
التوصية الثانية هي ضرورة الموازنة بين التكلفة والمكاسب. فإذا كان الروس قد حققوا نجاحات مهمة في الشرق الأوسط فإنهم تكبدوا خسائر في أوروبا التي تكتلت حكوماتها الغربية ضدهم لا سيما بعد أزمة أوكرانيا.
ثالثة التوصيات هي تجنب المبالغة في تقدير خطورة التحرك الروسي، إذ ليس من الضروري أن تمثل كل خطوة من جانب روسيا تهديداً للنظام العالمي أو المصالح الأمريكية. ومع هذا لا يجب استبعاد الرد القوي إن اقتضت الضرورة لردع روسيا أو كبح طموحاتها.
أخيراً يوصي التقرير بدعم الشراكة بين الولايات المتحدة والحلفاء التقليديين لها مع تجنب ما وصفه التقرير بالمقاربات النمطية الجامدة. المقصود هنا أنه ليس هناك حل واحد جاهز دائماً للتصدي لروح المغامرة الروسية المتقدة. وإنما هناك حل أو أكثر يتغير دائماً وفقاً للظروف وطبيعة وتوقيت التحرك الروسي. وكل هذا في إطار استراتيجيات غربية هدفها النهائي هو احتواء تمدد النفوذ الروسي عالميا.
مثل هذه التوصيات تبدو ممتازة بالفعل غير أنها تأخرت خمس سنوات على الأقل أي منذ استعاد بوتين منصبه الرئاسي وبدأ حملته الواسعة لاستعادة الدور العالمي لبلاده. المشكلة الأساسية أن واشنطن تعاملت باستخفاف مع الخطر القادم من موسكو منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وعندما شعرت بالقلق كان القطار الروسي السريع قد انطلق بعيداً وأصبح من الصعب اللحاق به لإيقافه.

assemka15@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى