رئيس “بني آدم”
بشارة شربل
حديث جبران باسيل عن “الأوادم” الذين “حرمهم التآمر” من ممارسة عفافهم في إدارة الكهرباء والسدود، ومنَع حلفاءهم من تكريس “قدسيتهم” في التعامل مع المعابر وتحقيق تفجير النيترات، على سبيل المثال، لا معنى له إلا في خطته الحالية للتصعيد بهدف خلط الأوراق.
“الآدمية” بمعنى النزاهة، على لسان باسيل وأترابه الممانعين، كلام حق يراد به باطل، خصوصاً مع بدء العد العكسي لـ”العهد القوي”، أما أكثرية اللبنانيين فباتت تردد: “نريد رئيساً بني آدم” بلا زيادة ولا نقصان.
وقد تكفي صفة “بني آدم” او الانتماء للجنس البشري حتى تطمئن الى حدّ ما نفوس اللبنانيين المتعلقين بحبال الهواء عند كل استحقاق. و”بني آدم” هنا تختصر الحالة الطبيعية التي يتوجب ان يتمتع بها كل شخص، فكيف اذا كان مسؤولاً رفيعاً برتبة رئيس؟
وباعتقاد اللبنانيين الذين ينتظرون عند كل مفترق أساسي نقلة نوعية نحو الخلاص ان ما مورس في حقهم حتى اليوم ليس سوى نوع من التوحش قَتل خلاله قايين اخاه هابيل، ثم أكل السمك الكبير السمك الصغير، والقوي الضعيف، وخُسفت الأرض بسكان الغابة المسالمين أو الذين توهَّموا النجاة لو لاذوا بالقانون معتبرين الاخلاق مقياساً في ممارسة العيش او السلطة.
“نريد رئيساً بني آدم”. من حق الناس أن يكتفوا بهذا الحد الأدنى، ذلك ان ما يطبق حتى اليوم هو شريعة الغاب التي أتاحت استباحة الدولة، فخلَّعت أبوابها، وجعلت كل مقوماتها فريسة لمنظومة جائعة وساحة لأصحاب المشاريع التي تتجاوز حدود لبنان ولا تخدم الا من لا يأبه لكيان ووحدة وطنية ومستوى معيشة ومستقبل أجيال.
بساطة مطلب عموم الناس لا تعني حتماً ان توافره يفي بالمواصفات. هو شرط ضروري لكنه غير كاف إذ يجب ان يشكل الأساس ليحقق غرض تجديد الموقع الأول واعتبار اختيار رئيس للجمهورية خطوة جدية لانقاذ الجمهورية، وليس فقط لتجنيب قصر بعبدا الفراغ والحؤول دون تكرار تجربة مُرة كانت برداً وسلاماً على محور إيران ووبالاً على لبنان.
كي يحظى الرئيس العتيد بحد معقول من القبول يجب ان يخرج قبل كل شيء من كواليس الغرف السوداء ويحترم الناس عبر نشر برنامجه الانقاذي في ضوء النهار، فما يجري هو تداول أسماء في الصالونات وتمرير مسترئسين في وسائل الإعلام، بعضهم يستحق، ومعظمهم انتهازي وصولي يوزع الوعود بالتساوي على كل الاطراف كأن يعد بجمع ماء السيادة مع نار استراتيجية وهمية للدفاع.
لا يُلام الناس. معتَّرون يرون البيوت مظلمة والجيوب فارغة وفرص العمل شحيحة، فيخفضون مستوى توقعاتهم الى “بني آدم” لا يُمعن في إغراقهم، في حين ان البلاد تحتاج رئيساً شهماً يواجه بالدستور والقانون والثوابت الوطنية، فلا يساوم على اقفال المعابر ولا وحدانية سلاح الدولة وقراراتها السيادية، مثلما يرفض تغطية الفاسدين وخطة تعاف تحمِّل المودعين وزر جرائم المصارف وحاكم “المركزي” والطبقة السياسية الحقيرة التي غطت الارتكابات منذ ثلاثة عقود، ولا همَّ لها اليوم الا تذويب الودائع بالتواطؤ والاحتيال وتركيب تسوية تضرب صفحاً عمَّن نهب وتجدّد للاستهانة بالسيادة بحجة السلم الأهلي أو معاودة “ربط النزاع”.
هذه هي مواصفات الـ”بني آدم” الذي يفترض ان يشكل رافعة الانقاذ (الآدمية بمعناها الأخلاقي جزء لا يتجزأ منها). وهي لبنانية كاملة الدسم، لا مربى التذلل على أعتاب قوى الأمر الواقع، ولا مرعى السفارات.
نقلا عن نداء الوطن