راعي السلام المنحاز
عبدالله السويجي
ضرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعرض الحائط قرارات مجلس الأمن واتفاقيات أوسلو وقرارات القمة العربية التي عقدت في بيروت في العام 2002 بشأن اتفاقيات السلام بشكل عام، ومصير القدس بشكل خاص. وتأتي خطورة القرار الشيطاني من كون الولايات المتحدة الأمريكية راعياً لعملية السلام بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين، ما يدل على قفزها على كينونتها السياسية وقضائها على دورها كراعٍ أو وسيط لعملية السلام، وما يدل على أن الرئيس ترامب يقرر بشكل منفرد قيام مستشارته للشرق الأوسط دينا باول بالاستقالة يوم الجمعة الماضي، وتصريح وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون بأن مصير القدس النهائي لم يتحدد بعد، والمفاوضات النهائية هي التي تحدده، كما أن ترامب أدار ظهره للأوروبيين الذين أعلنوا أنهم لا يوافقون على قراره المنفرد، ناهيك عن مواقف دول عظمى مثل الصين وروسيا التي أعلنت أن القدس الشرقية هي عاصمة دولة فلسطين، بينما كانت المواقف العربية أقرب إلى الباردة والدبلوماسية التي لا لون ولا طعم لها. أما موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يقع بين فكي كماشة، فكان موقفه بأن الولايات المتحدة لم تعد مؤهلة لرعاية عملية السلام بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، والجهة التي رحبت بالقرار وأشادت به بالطبع كانت الحكومة «الإسرائيلية»، التي دعت على لسان رئيس وزرائها نتنياهو الدول الأخرى أن تحذو حذو الرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل». أما الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط فقد «حذر من تصاعد التوتر والعنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتأجيج مشاعر الغضب في فلسطين وعموم العالمين العربي والإسلامي..»، لكن حتى في هذه، خاب ظن الأمين العام، إذ ظلت معظم شوارع الوطن العربي شبه هادئة، ولم تخرج التظاهرات الغاضبة المليونية احتجاجاً على قرار ترامب.
لقد كانت الولايات المتحدة طوال السنوات الماضية، إلى جانب بعض حلفائها الظاهرين والمخفيين، تمارس الضغط على الفلسطينيين ليقبلوا بالشروط «الإسرائيلية» وتصور دولة الاحتلال لعملية السلام، ومن الطبيعي أن هذا التصور لا يقضي بالاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة على الأراضي المحتلة في العام 1967، بل إن التسريبات تقول إن الموقف الصهيوني يرفض حتى إدارة ذاتية مستقلة في أراضي السلطة الفلسطينية، ولهذا يرفض ويضع العراقيل أمام تنفيذ اتفاقيات أوسلو، التي لا تلبي أيضاً طموحات الشعب الفلسطيني، وقد وصلت الضغوط الأمريكية إلى تصويت مجلس النواب الأمريكي على مشروع لوقف المساعدات للسلطة الفلسطينية بسبب مساعدتها عائلات الفلسطينيين المعتقلين في السجون «الإسرائيلية»، ما يعني محاربة الفلسطينيين بقوت يومهم وتجويعهم ليرضخوا للمطالب «الإسرائيلية».
نحن لا نعتبر القرار الأمريكي مفاجئاً، فهو ينسجم مع طبيعة الولايات المتحدة بصفتها حليفاً استراتيجياً لـ«إسرائيل»، بل إنها تكاد تكون ولاية من ضمن ولاياتها، تحرص على قوتها وتساندها في مواقفها الظالمة وحروبها الإرهابية وإجراءاتها المتوحشة ضد المدنيين الفلسطينيين، ومن يراجع الموقف الرسمي الأمريكي سيصل إلى قناعة أنه لا يصلح أن يكون وسيطاً أو راعياً لعملية السلام، فهو منحاز بالمطلق إلى جانب الاحتلال، الذي يشكل قاعدة أمريكية عسكرية متقدمة في الشرق الأوسط، وفي قلب الوطن العربي.
اعتقد ترامب أنه اختار التوقيت المناسب لإعلان قراره، ويبدو أن مايتردد حول الدعم الأمريكي للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش والنصرة» كان يهدف إلى تفكيك المجتمعات العربية وتحطيم جيوشها للوصول إلى هذا التوقيت، ما ينسف قيم أمريكا الديمقراطية وثقافة الحوار والسلام ، فقد تصرف ترامب وفق ثقافة (الكاوبوي) الرعناء، وبنفسية (رامبو) الذي لا يقهر، وبأن العالم كله عبيد عنده.
وفي الواقع، فإن اعتقاده لا يجانبه الصواب، فالأنظمة العربية المحيطة بـ«إسرائيل» لم تكن تشكل تهديداً على وجود الاحتلال، والمجتمعات العربية وإن أصيبت بأزمات إلا أن قضية فلسطين والقدس على وجه الخصوص هي قضيتها المركزية، وليترجم له المترجمون المقالات والتغريدات التي جردته من حياديته وإنسانيته وذكائه، بل إنه قدم خدمة للفلسطينيين والعرب من جديد، لتعود القضية الفلسطينية متصدرة المشهد السياسي العربي والعالمي، ف«إسرائيل» هي العدو التاريخي، ولا شك أن الإدارة الأمريكية ستتأكد من هذه الحقيقة في الأيام القادمة.
وكما نقول دائماً، إن قرار ترامب فرصة تاريخية أمام العرب ليعيدوا التنسيق فيما بينهم، لأن ترامب خانهم، والإدارات الأمريكية كانت تخونهم على الدوام، ومن غير اللائق والحكمة الاستمرار في الاعتماد عليها، لأنها تنفذ سياسة «إسرائيلية» بامتياز، وهدفها ليس فلسطين فقط، وإنما الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، ومن المستحيل أن تصب السياسة «الإسرائيلية» في مصلحة أي دولة عربية، فالثعلب لا يغير طبعه، وسيبقى ماكراً إلى يوم القيامة.
suwaiji@emirates.net.ae