راغب علامة و«طار البلد»
يوسف أبو لوز
لا يحسب الفنان اللبناني راغب علامة على تيار سياسي أو حزب أو أيديولوجيا، أو كتلة لبنانية طائفية أو مذهبية أو جهوية بلغة السياسيين والمسيّسين في بلد الأرز والتفاح (كان في تفّاح؟)؛ بل هو مغني الحب والرقّة والحنان؛ شأنه شأن السفيرة المخملية إلى النجوم، فيروز التي يُجمع عليها كل اللبنانيين، في حين يتفقون جميعهم على الاختلاف، كما يقول حرفيو السياسة في بلد الحكومات المجمّدة.
راغب علامة (1962) المولود في الجنوب اللبناني (وكلّه لبناني عربي إنساني)، وراءه تراث موسيقي غنائي أصيل يعود إلى منتصف ثمانينات القرن العشرين؛ أي عندما انطفأت الحرب بمعناها النّاري الجنوني، ولكن ظلت مشتعلة بمعناها الاصطلاحي المتداول (الحرب الباردة)، وكان على الفتى الوسيم المتفوّق في الدراسة، والجالس دائماً إلى جوار «عود والده الرنّان»، أن يعيش رواية الحرب، ولكنه سيقف ضدّها، ليس بمسدس أو حزب أو تيار أحادي مغلق؛ بل سيكون صاحب «الحب الكبير»، محارباً من نوع آخر.
إنه مغني الطيبة والجمال والسلام، ولأنه ينطوي على قلب جميل ونية طيبة، اختارته الأمم المتحدة في العام 2013 سفيراً للسلام والنوايا الحسنة.
من نيّة حسنة أيضاً، يغني راغب علامة قبل أيام من أجل لبنان، ومن أجل اللبنانيين أغنيته أو صرخته: «طار البلد».
أغنيته التي هي اليوم حديث الصالونات السياسة في بلد احتراف السياسة والاستثمار فيها كأي عقار أو شركة، أو مصلحة تجارية.. أغنيته هذه ليست سياسية كما قد يتبادر للبعض، فهو لم يغرق في يوم من الأيام في أي مستنقع سياسي؛ بل هي أغنية حب وأغنية حنين إلى لبنان الأول؛ لبنان الفطري والتاريخي والأسطوري.. لبنان الليرة التي كانت في الستينات عملة صعبة في مثل قوّة الدولار.. لبنان شجر الحور والسنديان والبلّوط، حيث صنع الفينيقي المتوسطي أول أسطول بحري في العالم. لبنان أول اللغات وأول الشعر وأول الكتابة؛ لبنان جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأنسي الحاج. لبنان أعمدة معبد جوبيتر، وبعلبك وبيروت التي كانت خيمة المئات من الكتّاب العرب، الذين وجدوا في مقاهيها وفي جوهرها الحضاري والمدني ذواتهم الإبداعية والإنسانية.
لماذا يغني راغب علامة «طار البلد»، بلده لبنان؟، لنسمع منه أفضل من أن نسمع من غيره. يقول: «هي صرخة لا بدّ منها في وجه سياسيين نصّبوا أنفسهم أولياء على البلد وعلى شعبه، وأجبروه على الهجرة والفرار من الواقع القبيح».
ويقول أيضاً: «الذل في البلد جعل الرشوة هي القانون». عندما يصل الفساد إلى هذا الحد، لا يطير لبنان وحده؛ بل يطير كل بلد يتغوّل فيه السماسرة وتجار السياسة، وباعة الشعارات الكاذبة.
yabolouz@gmail.com