راهن العلاقات بين الغرب و«الإخوان»
د. محمد الصياد
مازالت العلاقات بين كل من الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة و«الإخوان المسلمين» من جهة أخرى، مستمرة إلى اليوم على أساس التخادم المصلحي المتبادل، غير المتماثل والخاضع لمقتضيات الحاجة إليه، حيث وفرت واشنطن، ومازالت، الدعم بجميع أشكاله لتنظيمات «الإخوان» في ليبيا وسوريا (وقبل ذلك كانت المحاولة في مصر)، لتمكينها من الوصول للسلطة أو المشاركة فيها، مقابل تأمين مصالح الولايات المتحدة الأمنية والاقتصادية.
أما لماذا الولايات المتحدة وبريطانيا، فلأنهما أكثر دول حلف الناتو استخداماً لأجهزتهما الأمنية (وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي.آي.أيه» وجهاز المخابرات البريطانية الخارجية «MI6» على وجه التحديد)، كأدوات حربية في العلاقات الدولية. هذا لا يعني بطبيعة الحال، أن التنظيم الدولي للإخوان، وفروعه المحلية، لا تحظى باهتمام ونوع من أنواع الرعاية من قبل بقية أعضاء المنظومة الغربية. يشهد على ذلك الحضور المادي الملموس لمختلف مؤسساته وأنشطته وفعالياته في جميع عواصم الغرب تقريباً.
في عام 2014، أجرت الحكومة البريطانية، عندما كانت برئاسة المحافظ (حزب المحافظين) ديفيد كاميرون، تحقيقاً واسعاً بشأن نشاطات جماعة الإخوان ومدى ارتباطها بالجماعات الإرهابية المتطرفة. لجنة التحقيق كانت برئاسة السير «جون جينكينز»، الذي كان وقتها يشغل منصب سفير بريطانيا لدى المملكة العربية السعودية، والذي اعتبر أن الجماعة تمثل ما يشبه «رافداً إلزامياً» للجماعات الجهادية. الحكومة البريطانية، لأسباب استراتيجية ذات أبعاد أمنية، امتنعت عن نشر التقرير، بل قيل إن توصياته لم يطّلع عليها رئيس الوزراء كاميرون، فهو نفسه أمسك عن نشر نتائج التحقيق كاملة، واكتفى بنشر نص مقتضب يلخص أهم ما جاء فيه. وكل ما «أفرجت عنه» الحكومة لم يتعدَّ ما أسمته «الخلاصات الأساسية». «جينكنز» نفسه، رفض المثول أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطانية للإدلاء بشهادته.
المثير والمفاجئ أن المخابرات البريطانية الداخلية (MI5)، الموازية لمكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي، وبحسب تقرير سابق أجرته صحيفة «ميدل إيست آي»، اعترضت على إجراء التحقيق، قبل أن تعترض لاحقاً على نشر التقرير الذي أعدته اللجنة والمكون من مئتي صفحة.
يومها علق أكبر زعيم للإخوان المسلمين في المملكة المتحدة، وهو إبراهيم منير، على إجراء هذا التحقيق بالقول (وفقًا لصحيفة التايمز البريطانية): «إن حظر جماعة الإخوان سوف يجعل بريطانيا أكثر عرضةً لهجمات إرهابية». والمفردات تفسر نفسها بنفسها، من حيث التهديد المبطن الذي تنطوي عليه، ومفاده «إما نحن أو المتطرفون». التقرير كان حافلاً بالوقائع والبراهين، كما يُستدل من التغطيات الجزئية التي حظي بها في الإعلام البريطاني. لكن الحكومة اختارت عدم نشره وإبقاء نتائجه طيّ الكتمان، إذ تراجعت عن نشر نتائجه وانحازت إلى التقييم الذي انتهت إليه لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني، بعد تحقيق أجرته بنفسها في السياسة التي تنتهجها الحكومة تجاه «الإسلام السياسي» في العام الماضي، والذي خلص إلى أن الإسلاميين السياسيين، يشكلون «جدار حماية» في وجه التطرف العنيف وأنه ينبغي التواصل والتفاهم معهم سواء كانوا في السلطة أو في المعارضة.
وكان رئيس لجنة التحقيق السير «جون جينكينز»، الممتعض من تعامل الحكومة البريطانية مع نتائج التحقيق الذي كُلِّف بإجرائه، قد أكد أنه لمن «المؤسف»، ألاّ تتخذ الحكومة إجراءات ضد الجماعة مما تبرره نتائج التقرير التي تذهب إلى أن عضوية جماعة الإخوان المسلمين أو الارتباط بها أو تأثيرها يجب اعتبارها مؤشراً محتملاً للتطرف«. حتى رئيس الحكومة ديفيد كاميرون أقر في ديسمبر 2015 بأن «قسماً من جماعة الإخوان المسلمين، لديه علاقة غموض مع التطرف العنيف. سواء كان ذلك عبر الإيديولوجيا أو شبكة العلاقات والأنشطة، التي تشكل طقوس مرور لبعض الأفراد والجماعات، الذين شاركوا في أعمال العنف والإرهاب». لكن كاميرون، مع ذلك، اختار التماهي مع سياسات الأجهزة الأمنية البريطانية الداعية لعدم اتخاذ خطوات لحظر الجماعة.
بيد أن الجدل حول مخاطر الجماعة على البلاد، عاد وتجدد مطلع العام الجاري في بريطانيا، التي تعتبر الملاذ الأهم في أوروبا لجماعة الإخوان المسلمين. فقد حذر عقيد سابق في الجيش البريطاني خلال جلسة استماع في مجلس العموم عقدت في 8 يناير 2018، من أن جماعة الإخوان تشكل تهديداً كبيراً للمجتمع البريطاني. وانتقد على وجه الخصوص، التمويل الذي تقدمه بعض الدول للجماعة، حيث ذكر بأن أكثر من 150 مليون دولار قُدمت لمؤسسات أوروبية مختلفة، كجزء من محاولة الإخوان المسلمين لممارسة التأثير الخفي في جميع أنحاء القارة الأوروبية، بما في ذلك الجمعيات الخيرية والمساجد.
بريطانيا، إذاً، تواصل رعايتها التاريخية للإخوان المسلمين وترفض اعتبارهم جماعة إرهابية.
alsayyadm@yahoo.com