غير مصنفة

«ربيع» الكرد العراقيين وصل متأخراً

د. عصام نعمان

لكل بلد عربي «ربيع»، يبدأ بانتفاضة شتائية مبكرة ولا ينتهي. ربيع كل من تونس ومصر وليبيا بدأ في شتاء 2011 ولم ينتهِ كليّاً بعد. كذلك «ربيع» سوريا، بدأ في عزّ الربيع، 15 مارس/‏آذار 2011، ولم ينتهِ. انه أطول «ربيع» بين أمثاله: خَتمَ سنته السادسة ودخل السابعة، وما زالت الغيوم ملبّدة في سماء شرق البلاد، وغربها. لكن الأمل وطيد بانحسار قريب.
العراق كان، وما زال في حال «ربيع» يتكرر في كل الفصول، وعلى مرّ السنين. لعل «ربيعه» الأقسى بدأ مع حرب أمريكا عليه في العام 2003. لكن، ما إن تنحسر غيومه بضعة أشهر حتى تعود إلى التلبّد والتفجّر. آخر فصوله الكالحة بدأ في سبتمبر/‏ايلول الماضي في كردستان العراق مع إصرار مسعود البرزاني إجراء استفتاء لفصل الإقليم الكردي عن العراق الاتحادي. توافقت كل الدول المحيطة بالعراق مع حكومته المركزية على رفض الاستفتاء الملغوم. حتى أمريكا التي كانت أيّدته ضمناً، جهرت بمعارضته علناً.
سقط مسعود البرزاني، ومعه استفتاؤه الملغوم، لكن «ربيع» كردستان العراق لم ينحسر بعد. بالعكس، لعل غيومه السوداء تتلّبد بسرعة في كل أرجاء الإقليم، ولاسيما في محافظة السليمانية. فبينما كان رئيس الحكومة نيجيرفان البرزاني، ونائبه قباد طالباني، يزوران ألمانيا التماساً لتدخلها في الأزمة المستعصية مع حكومة العراق المركزية، اندلعت انتفاضة في مدينة السليمانية ما لبثت أن عمّت كل أرجاء الإقليم. التظاهرات الغاضبة والإضرابات الشاملة عمّت معظم المدن الكردية، احتجاجاً على عدم دفع رواتب الموظفين، مطالبةً بمقاضاة المسؤولين المتورطين في الفساد.
الانتفاضة الكردية حظيت، منذ ساعاتها الأولى، بدعمٍ حار من منظمات حقوقية، ونشطاء، وقوى سياسية، أبرزها حركة «الجيل الجديد» التي تشكّلت في أعقاب الاستفتاء بقيادة رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد. الكرد المنتفضون لم يكتفوا بتنظيم التظاهرات، والاعتصامات، والإضرابات، بل لجأوا إلى مهاجمة مقار الأحزاب السياسية المشاركة في حكومة الإقليم.
من الواضح أن الدافع الأول للانتفاضة اقتصادي، بعدما تضررت مالية الإقليم واقتصاده نتيجة الإجراءات العقابية التي اتخذتها الحكومة المركزية في بغداد، وأبرزها السيطرة على مدينة كركوك ومرافقها النفطية، وقطع العائدات الوفيرة التي كانت تصادرها حكومة الإقليم، وحظر استعمال مطاري أربيل والسلميانية، لدرجة أن ديون حكومة الإقليم تجاوزت 7 مليارات دولار لشركات تركية وشركات غربية، و10 مليارات للبنوك العراقية. لكن المتاعب والصعوبات الاقتصادية المضنية أدت بدورها إلى تعزيز المعارضة للتحالف السياسي الهش الذي يحكم الإقليم، والى تصاعد المطالبة باستقالة حكومة البرزاني، وتأليف حكومة انتقالية لمفاوضة الحكومة المركزية تحت طائلة إجراء انتخابات مبكرة لبرلمان الإقليم.
إذ تتحوّل انتفاضة الكرد من حركة شعبية ضد الفساد والطبقة الحاكمة إلى حرب أهلية بين جماعات حزبية وسياسية متنافرة، ينهض سؤال عمّا يجب أن تفعله الحكومة المركزية لوقف الاقتتال الكردي من جهة، وحل الأزمة الناشئة عن تطرف السياسيين الكرد الساعين إلى الانفصال، من جهة أخرى. ذلك فإن الأزمة الكردية في كردستان العراق لا تهدد وحدة العراق واستقلاله الوطني، فحسب بل تنعكس أيضاً على الكرد السوريين الذين يعانون مشاكل، وصعوبات مع الجماعات الإرهابية من جهة، والحكومة التركية المتخوفة من تطلعاتهم الانفصالية من جهة أخرى، كما يعتمد فريق منهم نهجاً سياسياً مشبوهاً بتعاونه العسكري والسياسي مع الولايات المتحدة، بل يتجنّد أحياناً في خدمتها ضد الحكومة السورية.
حيال كل هذه التحديات، تنهض في أذهان أهل الرأي في الوسطين الوطنيين العراقي والسوري الأفكار الآتية:
أولاً: لدى القادة الوطنيين العراقيين عموماً، ورئيس الحكومة حيدر العبادي خصوصاً، فرصة نادرة لمعالجة الأزمة العالقة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان العراق، على نحوٍ يؤدي إلى حل الأزمة داخل الإقليم، من جهة، والى حفظ وحدة العراق واستقلاله وسيادته من جهة أخرى، على أن تبدأ المعالجة المرتجاة للتوّ وبمعزل عن قوى خارجية معروفة المطامع والمصالح.
ثانياً: إن العنوان العام للحل الوطني المتكامل هو الديمقراطية، قولاً وفعلاً، في جميع المحافظات العراقية، وبين جميع مكوّنات شعب العراق، في إطار دولة مدنية ديمقراطية يتوجّب على القوى الوطنية الديمقراطية كافةً المبادرة إلى الحوار للتوافق على أسسها والنهج الآيل إلى وضعها موضع التنفيذ بلا إبطاء.
ثالثاً: إن الحوار الوطني الهادف والمطلوب يجب أن يتمّ قبل إجراء الانتخابات العامة في شهر مايو/‏ايار 2018 كي تكون الانتخابات اختباراً لمخرجات الحوار الوطني المنشود وفرصة لتأكيد التوافق العام على تعديل الدستور الحالي أو سنِّ دستور جديد في البرلمان الجديد تكفل أحكامه عروبة العراق وسيادته وديمقراطية نظامه السياسي، وكفالة حكم القانون والعدالة والتنمية في الممارسة السياسية.
التحديات كبيرة والفرص متاحة، بقي أن يبادر أصحاب الإرادات الوطنية إلى العمل بلا إبطاء.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى