سايكولوجيا سياسية!
خيري منصور
غرابة الأطوار بالنسبة لزعيم سياسي عبر التاريخ ليست استثنائية إلى الحد الذي يكرّس القاعدة الذهبية.
والديمقراطية وصناديقها لم تكن على الدوام خيراً خالصاً وعميماً لمصلحة البشر، فهناك صناديق انتخابات عرفها الغربيون في القرن العشرين كانت أشبه بما يُسمى صندوق «باندورا» المملوء بالشرور عند قدماء اليونانيين، وهناك طغاة ومستبدون وساديون قفزوا من الصناديق ودمروا بلداناً وتسببوا في قتل وإبادة ملايين الأبرياء.
وربما لهذا السبب، قال تشرتشل عبارته الشهيرة عن الديمقراطية باعتبارها شراً لابد منه على طريقة ما قاله الروماني شيشرون عن الزواج!
وقد يكون الجنرال ديغول ممن أدركوا أن الصناديق وحدها لا تكفي، لهذا لم يقبل بفوز عادي تجاوز الستين في المئة من الأصوات، وقرر الاعتزال!
وتاريخ الولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن العشرين على الأقل وحتى العقد الأول من هذا القرن أعاد طرح سؤال الديمقراطية على استحياء، لكن سرعان ما طفت على سطح المشهد السياسي في أمريكا ظواهر غير مسبوقة منها نزعة التمرد والانفصال لدى بعض الولايات، ومنها كاليفورنيا لأسباب ذات صلة بالديمقراطية وإفرازاتها.
وهناك من يعتقدون في أمريكا أن الديمقراطية ليست مقيدة فقط؛ بل هي داجنة مادام هناك موروث من الأعراف كالامتيازات غير المدونة التي ينعم بها «الواسب» من أصول أنجلوسكسونية، وإن كان فوز أوباما أشبه بجملة سمراء معترضة في بيت شديد البياض!
وأحياناً يضطر المحلل السياسي إلى التنحي جانباً ولو لبعض الوقت متيحاً المجال للمحلل النفسي قدر تعلق ذلك بسايكولوجيا قلقة ومضطربة لزعماء يفرطون في هاجس الاختلاف والتفرد، وفي المثال الأمريكي الراهن متجسداً بالرئيس ترامب، فإن ما يتبادله من أوصاف مع بعض وزرائه أو بعض قادة العالم أثار فضول المشتغلين في الحقل النفسي، ولا نستبعد أن يكون قراره الأخير حول القدس عينة نموذجية للفحص تحت المجهر السايكولوجي السياسي!