سباق التسلح المرعب
مفتاح شعيب
ما زال النقاش الذي أثاره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول الإمكانيات التسليحية الجديدة لبلاده يثير مزيداً من الجدل في المعسكر الغربي، بالتزامن مع تصاعد المخاوف من سباق تسلح جديد واحتمال صدام مدمر بين موسكو وواشنطن، إذا سارت الأمور باتجاه التصعيد.
بعض المتابعين يحاولون التهدئة من روع العالم بالقول إن خطاب بوتين غير المسبوق يأتي في سياق حملته الانتخابية لكسب مزيد من الأصوات، بينما تشير المعطيات إلى أن هذا الرجل ليس بحاجة إلى دعاية انتخابية لأن فوزه مضمون لعدم وجود منافس جدي له على قيادة الكرملين، وبذلك يكون استعراض القوة له أهداف أخرى غير الغايات الانتخابية، ليتأكد أن التهديدات التي أطلقها تعبر عن سياسة عامة للدولة الروسية في المستقبل تنبني على استراتيجية المواجهة مع القوى الدولية الأخرى وأساساً الولايات المتحدة التي أعلن رئيسها دونالد ترامب قبل أسابيع عن خطة طموحة لإعادة بناء القوة العسكرية الأمريكية، وهي الخطة التي اعتبرت روسيا ثم الصين التهديد الأكبر لوجود الولايات المتحدة، كما تم تخصيص موازنة «خرافية» لوزارة الدفاع (البنتاجون) لتطوير الأسلحة الاستراتيجية. ومن الطبيعي أن يجلب هذا الإعلان رد فعل روسياً، وهو ما ورد في خطاب بوتين الخميس الماضي، على الرغم من أن الأمريكيين أكدوا أنهم لم يتفاجأوا بذلك، وكانوا يتوقعونه بشدة.
المشكلة المطروحة اليوم هي أن الفرضيات التي كانت قبل أشهر قليلة مجرد تخمينات أصبحت الآن ثوابت، إذ سبقها تحريض متبادل واستعدادات على صعد مختلفة لاندلاع صراع عالمي بين قطبين على الأقل، الأول تتزعمه واشنطن والثاني تقوده موسكو. وبعد الخطة الأمريكية والرد الروسي، يشير واقع الحال إلى انطلاق سباق جديد للتسلح وعودة ساخنة لأدبيات الحرب الباردة التي عرفها العالم بعد منتصف القرن العشرين، مع تسجيل فارق جوهري هو أن الحرب الأولى كانت صراعاً بين إيديولوجيتين متضادتين كل واحدة منهما تريد لأفكارها أن تسود الكرة الأرضية، وقد انتهى بسقوط الاتحاد السوفييتي. أما اليوم فالصراع الجديد تحركه المصالح والنفوذ والتنافس على الابتكارات والاختراعات والتوسع التجاري والاقتصادي في أرجاء العالم، بعيداً عن الإيديولوجيات.
ويقارب الاحتكاك بين القوى الدولية العظمى، ما شهدته أوروبا عشية الحربين العالميتين الأولى والثانية، فالتنافس الاستعماري على الموارد والأسواق هو الذي سبب الحربين المدمرتين، وكانت نتائجهما وخيمة. وربما يعود الفضل إلى تلك النتائج المأساوية في تأجيل الحرب العالمية الثالثة وإبعاد خطرها، لأن مجرد وقوعها سيكون تدميراً للكون، بالنظر إلى حجم الأسلحة وتطورها والقوات الفائقة التي تمتلكها دول مثل الولايات المتحدة وروسيا اللتين بإمكانهما تفجير بعضهما البعض مرات عدة.
في تجمع انتخابي وسط موسكو، تعهد بوتين بأن يكون القرن الحادي والعشرون قرن انتصارات لبلاده، وقبل ذلك بأشهر قليلة أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أنه سيقود بلاده نحو قمة النظام العالمي خلال سنوات قليلة. ومن واشنطن يغرد دونالد ترامب أن الولايات المتحدة ستكون «أكبر المنتصرين» في المستقبل. والرابط بين المواقف الثلاثة هو هذا السباق نحو القمة والانتصارات، وقد أثبت التاريخ أن مثل هذه الصراعات عادة ما تنتهي بكوارث. وليت التاريخ لا يعيد تجاربه المريرة.
chouaibmeftah@gmail.com