سبعة أعوام من البحث
هناك مسلسلات تستمتع بمشاهدتها، يأسرك الحوار فيها، فتعلق العبارات في ذهنك، تسحرك كأنك تقرأ كتاباً، تقلب صفحاته على مهل، وتستمتع بالصور المرفقة معه.
ناجح العمل الذي تطغى فيه المهنية والحرفة العالية، كأنها صناعة يدوية مشغولة بإزميل أصحاب المهنة، الذين يتمتعون بموهبة بارزة، وينحتون القطعة التي يحملونها بين أيديهم حباً بها، لا من أجل التجارة بها.
وناجح العمل الذي يبهر عقلك ونظرك في آن واحد، تماماً كما تفعل مجموعة مسلسلات نشاهدها على الشاشة، من بينها «الجماعة»، و«واحة الغروب»، تلك اللوحات الفنية تقدم لك النجوم كأنهم يولدون من جديد، وكأنك لم ترهم بأي عمل من قبل، بل يشعرونك بأنهم يجسدون أنفسهم، وهذه هي طبيعتهم، ولا يؤدون دوراً، أو «يمثلون».
نبدأ من «الجماعة»، ثم لاحقاً ننتقل إلى «واحة الغروب». هذا العمل الذي ترى مع كل صفحة من صفحاته، وفي كل كلمة ينطقها نجومه، ترى أمامك الكاتب وحيد حامد، الحرفي الذي ينحت الكلمة وينبش المعلومة من أعماق التاريخ، ويسترجع الأحداث، وفق تلك المراجع والكتب التي قرأها، واستند إليها قبل أن يكتب، ويقدم قطعة فريدة تحار أين تضعها، فهي ليست تاريخية، ولا تراثية، ولا دراما اجتماعية.. هي وثيقة تعرض حقبة من تاريخ مصر، شاهدنا جزأها الأول عام 2010، ونتابع أحداث الجزء الثاني حالياً.
سبع سنوات ما بين الجزء الأول والثاني، قضاها الكاتب مع «الإخوان»، يبحث عنهم في الكتب، وبين الأوراق، والأحداث، يربط الوقائع ويفتش عن الشخصيات وأفكارها، ويحلل النفسية والتصرفات.. سبعة أعوام عاشها حامد باحثاً عن المعلومات، لأنه يحترم قلمه، واسمه، كما يحترم الجمهور ولا يضحك عليه «بسبوبة»، أو فبركة كلام يبيعها ويقبض ثمنها.
من أراد أن يعرف كيف عمل وحيد حامد، وما الذي يقدّمه هذا العام؟ عليه أن يقرأ تتر نهاية المسلسل، ويصبر لأن القائمة طويلة جداً، وهي تتضمن أسماء الكتب والمراجع، بجانب طبعاً أسماء فريق العمل. ومعروف عن حامد دقته، وتأنيه، والتدقيق في كل تفصيلة، وإشرافه على العمل وعلى الإنتاج.
كان يعرف أنه سيتعرّض للانتقادات، وسيخرج من يشكك في معلوماته، ويتهمه بالانحياز السياسي وتحريفه الحقائق لتتناسب مع وجهات نظره، وقناعاته، خصوصاً أن مواقفه من جماعة «الإخوان» معروفة منذ زمن بعيد. فمثل هذه الأعمال تثير جدلاً دائماً، لكن بغض النظر عن تلك المعارك، فإن كل من يشاهد «الجماعة» يدرك في قرارة نفسه أنه أمام قطعة فنية جميلة.
حامد يوجز حقبة مهمة، شهدت فيها مصر ولادة سياسية واجتماعية جديدة. حقبة ما بعد حسن البنا مؤسس «الجماعة»، وقيام الثورة وعلاقة الرئيس جمال عبد الناصر ب«الإخوان».. شمل فيها تنظيمات وأحزاباً وشخصيات كثيرة، ولم يحصر الأحداث بالجماعة فقط. ونتمنى ألا ينتظر سبع سنوات أخرى ليقدم لنا الجزء الثالث، خصوصاً أنه سيتناول حياتنا المعاصرة، وقد يكشف مستوراً بعد تمكن «الإخوان»، ووصولهم إلى الحكم في مصر، ودورهم في انتشار العنف في العالم.
مارلين سلوم
marlynsalloum@gmail.com