قضايا ودراسات

سلطنة عُمان ومسيرة البناء والتنمية

احتفلت سلطنة عمان بيوم النهضة المباركة، يوم الثلاثاء الماضي، وهو اليوم الذي شكل علامة تاريخية انطلقت معها عمان نحو المزيد من البناء والرخاء ومواكبة التطور الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، حيث يتمتع الأخوة الأشقاء في سلطنة عمان بكثير من المزايا الطيبة، فهم محبون للعمل والتنمية الذاتية من خلال مراكمة الخبرة المحلية، وتنفيذ المشروعات الكبرى لنمو وتعزيزات قدرات الشركات العمانية؛ لتصبح الذراع الإنشائية للسلطنة، وفق شروط اقتصادية معتبرة، تعمل داخل نسيج اجتماعي، وضمن احتياجات محلية وعالمية، وفي بيئة توظف فيها القدرات والإمكانات وتراكم الخبرات.
ومن المشروعات الكبيرة العمل على تحويل مصادر الطاقة الهائلة إلى موارد اقتصادية مستدامة. وتعتبر سلطنة عمان دولة كبيرة المساحة، ذات اختلافات طبوغرافية، ما يؤهلها إلى أن تلعب دوراً كبيراً في مجال الصناعة وجلب الاستثمارات المختلفة.
ومن هذا المنطلق، تعمل سلطنة عمان على تعزيز وجودها في سوق الطاقة العالمي، لأنها تعتمد، بدرجة كبيرة، على إيرادات النفط والغاز في تمويل برامج الإنفاق فيها. ورغم أن النفط لعب دوراً كبيراً في العقود الماضية كمحرك لعملية التنمية في السلطنة، إلّا أن تراجع أسعاره مؤخراً، دفع الحكومة العمانية إلى تركيز الاستثمار على الغاز الطبيعي. ورغم أن السلطنة كانت قد اهتمت بالغاز الطبيعي منذ أواخر القرن الماضي، عندما أسست الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال عام 1994، وأعلنت في نفس العام عن إنشاء مصنع لتسييل الغاز في قلهات، والذي بدأ إنتاجه عام 2000، ‏وقد بلغت تكلفته الإجمالية 2.5 مليار دولار.
كانت السلطنة تنتج 6.6 مليون طن سنوياً من المصنع آنذاك، كما قامت بتصدير أول شحنة من الغاز العماني في السادس من إبريل/نيسان عام 2001 لحساب شركة غاز كوريا كوريويشن. وفي عام 2012، كان المصنع يعمل بطاقته القصوى، والتي تبلغ 37 مليون طن سنوياً. لكن النمو الكبير في الطلب الداخلي دفع السلطنة إلى الإفادة من حقول الغاز، التي تتسم بصعوبة استخراجه، وبالتالي ارتفاع تكاليف استخراجه؛ للمحافظة على مستوى صادرات الغاز المسال، وفي نفس الوقت تلبية الطلب الداخلي من هذه السلعة الحيوية.
وكانت شركة النفط البريطانية قد فازت عام 2007 بامتياز التنقيب عن الغاز في حقل خزان، وبعد سنوات طويلة من العمل والدراسة المستمرين، توصلت هذه الشركة إلى جدوى المشروع، ووافقت على الالتزام به، فوقعت في ديسمبر/كانون الأول عام 2013، على اتفاقية مع الحكومة العمانية لاستكشاف واستخراج الغاز الطبيعي من هذا الحقل، ويعتبر مشروع حقل خزان أكبر مشروع لاستخراج الغاز غير التقليدي في الشرق الأوسط. ومن المعروف أن الغاز يوجد في حقول قريبة من سطح الأرض؛ حيث يكون من السهل استخراجه بوسائل الاستخراج التقليدية، أمّا الغاز الطبيعي غير التقليدي، فهو الذي يوجد في أحواض عميقة تقع ضمن هياكل صخرية، والتي تحتاج إلى تقنيات حفر متطورة للوصول إلى تلك الأحواض. ويقدر الخبراء في شركة النفط البريطانية وجود 10.5 تريليون قدم مكعبة من الغاز القابل للاستخراج بين صخور قديمة للغاية، هذه الصخور تمتاز بشدة كثافتها وصلابتها، وتقع على عمق 5 كلم تقريباً عن السطح في حقل خزان.
وبلغ إجمالي الاستثمارات في المرحلة الأولى لتحقيق الهدف الأولي لإنتاج الغاز 16 مليار دولار. وقد تم حفر 50 بئراً حتى العام الحالي، إضافة إلى بناء محطة لمعالجة أول مليار قدم مكعبة من الغاز. وتخطط الشركة البريطانية لحفر 300 بئر مع نهاية العقد الثاني من هذا القرن لرفع مستوى الإنتاج إلى نحو 1.5 مليار قدم مكعبة من الغاز يومياً، و25.000 برميل يومياً من المكثفات، ما يعني تحقيق زيادة في الإنتاج المحلي للسلطنة بحوالي الثلث، والذي بدوره سيعزز المخزون المحلي من الغاز والمكثفات. وفي 10 يوليو/تموز 2017، نقلت وكالة الأنباء العمانية عن وكيل وزارة النفط والغاز، قوله «إن سلطنة عمان ستبدأ تشغيل محطة لمعالجة الغاز في حقل خزان أوائل سبتمبر/أيلول. وأن القاطرة الأولى للمحطة التي سيتم تشغيلها تبلغ طاقتها الإنتاجية 500 مليون قدم مكعبة من الغاز، وسيبدأ تشغيل القاطرة الثانية بنفس الطاقة الإنتاجية في أوائل 2018».
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي قالت شركة النفط البريطانية، إنه تم استكمال أكثر من 80 في المئة من المرحلة الأولى من المشروع، وإن بقية الأعمال تسير حسب الجدول الزمني لتوريد أول شحنة من الغاز في أواخر 2017، وإنتاج مليار متر مكعب من الغاز يومياً.
إن زيادة إنتاج الغاز في سلطنة عمان سوف يعزز موقعها كبلد مصدر للغاز في الأعوام القليلة المقبلة، وهذا ما سوف يعوضها عن الخسائر التي يُمنى بها قطاع النفط لديها من جراء استمرار انخفاض الأسعار، ويسهم في استكمال نهضة الشعب العماني الشقيق في ظل قيادته الرشيدة.

محمد خليفة
med_khalifaa@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى