سوريا بين تركيا وأمريكا
محمد نورالدين
لفت في خطاب عاهل السعودية سلمان بن عبد العزيز أمام مجلس الشورى إشارته إلى ضرورة تحقيق الحل السياسي في سوريا وعودة اللاجئين وخروج التنظيمات الإرهابية من هناك. لكن ما لفت أيضا هو ردة فعل وزير الخارجية السوري وليد المعلم وترحيبه الضمني بالموقف السعودي.
لا يمكن الجزم منذ الآن بما ستكون عليه تطورات الأمور بين سوريا والسعودية لكن توجه مسار الأحداث في سوريا في السنتين الأخيرتين منذ ما بعد تحرير حلب وحتى الآن يشي بأن الأزمة قاب قوسين أو أدنى من نهاياتها الميدانية ، وهو ما سيساهم في التوصل إلى حل يتفق عليه السوريون أولا ويحظى بمظلة حماية إقليمية ودولية من جهة ثانية.فما كان ممكناً خلال الحرب من تحقيق لأهداف خارجية لم يعد مقبولاً أن يتحقق على مشارف الدخول في العملية السلمية.
لكن طرفين لا يزالان يكابران ويعملان على إعادة العجلة إلى الوراء رغم أن المعادلات قد تغيرت ولا يمكن البدء بسبع سنوات أخرى من جديد.
الطرف الأول هو تركيا التي بعد أن فشل مشروعها العثماني الموسع في المنطقة العربية ككل وكانت تريد الهيمنة عليها من خلال أنظمة موالية لها في مصر وتونس وليبيا وسوريا والعراق،عادت وانكفأت إلى الجوار السوري والعراقي. فكانت التحركات العسكرية التركية في داخل سوريا والعراق على قاعدة «القليل خير من الحرمان».وهو ما يمكن اختصاره بالعثمانية المصغرة الذي ليس سوى حدود تركيا ما بعد الحرب العالمية الأولى التي أقرها مجلس المبعوثين في 28 كانون الثاني/يناير 1920 وعرفت باسم حدود الميثاق الملّي أي الميثاق الوطني والتي ضمت تركيا الحالية إضافة إلى كامل الشمال السوري والشمال العراقي.وهي المنطقة التي تتواجد فيها غالبية كردية ويعتبرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منطقة إرهابية بامتياز، ولو أن هذه المنطقة بقيت بيد تركيا بعد الحرب العالمية الأولى لما تحولت اليوم إلى قاعدة ل «الإرهاب الكردي». بهذه الذريعة يريد أردوغان، إما احتلال هذه المنطقة بالكامل أو خلق نفوذ تركي عبر أدوات محلية لتكون شريطاً موالياً لتركيا من الإسكندرون وإدلب وعفرين وجرابلس، وصولا إلى شمال العراق.وهذا ما تعكسه معاندة أردوغان على تنفيذ اتفاق إدلب الذي يقضي بإقامة منطقة منزوعة من السلاح وخالية من المسلحين المتشددين، وكلهم في النهاية موالون له ولا يتحركون إلا بإمرته.
أما الطرف الثاني، فهو الولايات المتحدة ومعها نسبياً فرنسا وبريطانيا وهولندا وآخرون يتواجدون عسكريا في مناطق شمال شرق الفرات، حيث قوات الحماية الكردية.وهنا تستغل واشنطن فرصة الأزمة السورية لتوجد منطقة نفوذ لها في شمال شرق الفرات وبالتالي في سوريا بعدما كانت افتقدت أي نفوذ لها عبر تاريخ سوريا الحديث.وبدلا من تسهيل المفاوضات بين الأكراد ودمشق فإنها عملت على عرقلتها وتهديدها حتى الأكراد بأن أعلنت عن تقديم جوائز مالية بملايين الدولارات على ثلاثة من ابرز قادة حزب العمال الكردستاني هم جميل بايق ودوران قلقان ومراد قره يلان.وبدلا من وضع خطط لإعادة الاستقرار إلى سوريا، فإن واشنطن تمضي في تعزيز وجودها المسلح في شمال شرق الفرات ومنطقة منبج بإقامة نقاط مراقبة حدودية مع تركيا بحجة منع تسلل المقاتلين الأكراد إلى سوريا فيما الخطر هو على هؤلاء الأكراد من هجوم تركي، وليس منهم ضد تركيا.
يظهر لنا بوضوح أن السياسات التركية في سوريا الآن هي الوجه الآخر للسياسات الأمريكية فيها.وكلاهما يريد إبقاء البلاد تحت الهيمنة المباشرة أو غير المباشرة، تلبية لأطماع وسياسات لا تخدم سوى الفتنة والتقسيم فيما المطلوب واحد وهو انسحاب القوات الأجنبية وصوغ حل سياسي يرضى عنه السوريون في أسرع وقت، فتعود الأوضاع إلى طبيعتها ويخرج الملف السوري من أن يكون أداة ابتزاز واستغلال من قبل كل الأطراف.