سيناريو تصفية الحسابات التاريخية
عبد اللطيف الزبيدي
هل يمكن الاكتفاء بالتحليل الاقتصادي، لكي نفهم طبيعة ما جرى ويجري في العالم العربي؟ نحن أمام مشهد أكبر بكثير من الصراع الدولي على مصادر الطاقة، والسيطرة على طرق مساراتها من المنابع إلى الأسواق. صحيح أن النفط والغاز وسائر المواد الأولية، هي محور النزاع عالمياً، أما على الساحة العربية، فلنتريث، لأن الثقوب السوداء في سماء الإدراك، أكثر وأشد هولاً من أن تقنعنا بأن الكوارث الواقعة، مجرد اقتتال على الكعكة.
السيناريو الذي في الكواليس، ليس هو الظاهر عياناً على مسرح الأحداث. من سذاجة التحليل الانطلاق من مبرر واهٍ كوجود بحار من موارد الطاقة في الأرض العربية. لو صح ذلك، لانتفت الحاجة إلى المخططات الجهنمية، التي وضعت في صميم أهدافها تشويه صورة العرب والمسلمين والإسلام، وتدمير البلدان، وتشريد الشعوب، وجعل الدول فاشلة مشلولة، وإعادتها إلى العصر الحجري، بتعبير المخططين حرفياً، ومحو الذاكرة التاريخية بتحطيم الآثار، وإهانة ثقافة أمة لها طبقات عصورية من الحضارات، والقائمة أطول. هل كل ذلك مجرد صراع على مصادر الطاقة؟ لو كان الأمر بهذه البساطة الاستغبائية، لكان على أدمغة الأقوياء إيجاد سبل عادلة للحصول على الموارد الحيوية، وضمان الأسواق لمنتجاتها، من دون حاجة إلى العودة إلى سيناريو الهنود الحمر.لا شيء يقنع على الإطلاق غير تصفية الحسابات التاريخية.النهم الاقتصادي مع تناقص الموارد ليس مدعاة إلى الاقتناع، البتة.
المعضلة ليست في من يفرض، وإنما في من يقبل بما ليس حقاً ولا قانوناً. لهذا العالم العربي، بل العالم كله، أمام مفرق طرق، فما هو مدى استعداد النظام العربي لتحمل النتائج على أرضه؟ الشعوب لها رأي مختلف لو كان لها رأي أو كانت تستفتى في قضاياها المصيرية. للأسف، ساعة الحقيقة آتية لا ريب فيها. الشواهد كثيرة على أن جهاز الريموت الخارجي الذي يوجه القرار العربي، أوشكت بطاريته على الانتهاء، ولن تكون قابلة للشحن مجدداً. البرهان القاطع هو أن القوى الهجومية في السياسة الدولية، لم تعد لها سياسة غير المخالب والأنياب وفعل الأمر، بينما أقوى قوانين فلسفة الحياة والتاريخ، هو التوازن البيئي.عندما يتخلى النظام العربي عن أهم أدواره كجهاز مناعة، فإن الأوطان لا يمكن أن تفقد مناعتها المكتسبة، تصبح هي المضادات الحيوية. القوى التي تتوهم أن في إمكانها الضحك من ذقون الشعوب بالخداع الاستحماقي، خيبة ظنها محتومة.
لزوم ما يلزم: النتيجة التنبيهية: ما يجب حماية الأمن القومي منه، هو تحول الساحة العربية إلى صراع إرادات.
abuzzabaed@gmail.com