صراع القوى
علي قباجه
يبدو أن الأمور تتجه للأسوأ في العلاقات بين روسيا والغرب عموماً وأمريكا على وجه الخصوص، في ظل خروج رجل روسيا القوي بوتين بخطاب تاريخي سبق الانتخابات الرئاسية المشارك فيها كمرشح تتجه سهام الحظوظ نحو فوزه، حدد فيه رؤيته المستقبلية في التعاطي مع ما أسماها التهديدات التي تتعرض لها بلاده.
ما عُرض في «خطاب الأمة» من أسلحة نووية واستراتيجية في هذا التوقيت قد يكون لسببين مهمين، الأول هو تحقيق مكاسب انتخابية من خلال دغدغة عواطف الجماهير التواقة لإعادة مجد الاتحاد السوفييتي وعظمته، وقد لقيت رسائله القوية الموجهة، ردود فعل في بلاده مرحبة بسياسة عرض العضلات أمام ما وصف بالاستفزازات الغربية.
والسبب الآخر، وهو بالفعل ما ترى روسيا أنه يهددها من خلال سعي حلف «الناتو» إلى محاصرتها بنشر دروع صاروخية وإقامة قواعد عسكرية قرب أراضيها، وهو بالنسبة لموسكو لعب بالنار ومحاولة لزعزعة الاستقرار العالمي، وفرض لقواعد جديدة يمكن أن تحد من الدور الروسي كلاعب رئيسي في العالم، والإخلال بتوازن القوى الذي يحكم الأرض، وذلك ما أكدته وزارة الدفاع الروسية عندما توجت الخطاب بالإعلان أن حلف الأطلسي يحمل طابعاً عدائياً واضحاً ضد روسيا.
ومع الحصار الاقتصادي ونظام العقوبات الصارم الذي تعانيه روسيا بسبب أزمتي القرم وأوكرانيا، والضغط السياسي الذي فرض عليها في سوريا، مع إدانات متتالية تحملها مسؤولية ما يحدث هناك من سفك للدماء، فضلاً عن انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة انتشار الأسلحة النووية، فقد تعمد بوتين توجيه رسائل نارية، من خلال استعراض للقوة المطورة الضاربة، للقول لواشنطن إن الساحة ليست خالية، وإن الحوار هو السبيل الأمثل لتحقيق مصالح البلدين، وأن مجرد التفكير بالاعتداء فإنه يستدعي الرد الصارم.
الخطاب يحمل في طياته تهديدات كبيرة، ورسماً لخطوط عريضة للسياسات الروسية المقبلة، ويمكن وصفها بالتصادمية، ومحاولة لفرض الذات على الصعيد العالمي، وإعادة الحضور القوي في مواجهة الغرب. والتوترات التي حدثت مؤخراً على صعيد علاقات الشرق والغرب، وكان آخرها اتهام أفراد روسيين بالتدخل في الانتخابات الأمريكية، وفشل الرئيس الأمريكي بالتقارب مع موسكو، تحمل في طياتها مستقبلاً مملوءاً بالمفاجآت، قد يتطور إلى حدوث صدامات محدودة، أو خوض حروب بالوكالة في بعض مناطق التوتر، أو انفتاح روسيا على كوريا الشمالية للضغط على واشنطن بهذه الورقة التي تؤرقها.
بات واضحاً أن الحرب الباردة قد عادت، وأن صراع الأقطاب على أشده، ولكن يبقى أمل شعوب العالم أن لا تحترق في أتونها مع سباق الأسلحة المدمرة، والسعي المحموم للعديد من الدول لامتلاكها.
aliqabajah@gmail.com