قضايا ودراسات

ضحك

يوسف أبو لوز

للكاتب الألماني هاينرش بُلْ ( 1917- 1985) قصة قصيرة، يتحدث فيها عن رجل مهنته «الضحك»، يعمل هذا الرجل على إضحاك الناس لقاء مبلغ من المال، فيكسب رزقه من الضحك. يقول إنه يعتاش من ضحكه، بل وهي عيشة كريمة أيضاً، وهو ليس مهرّجاً ولا ممثلاً هزلياً، فمهنته إبهاج الناس. يعرف ضحك القرن السابع عشر، وضحك القرن التاسع عشر، بل، بمقدوره الضحك ضحكة القرون كلّها، وهو يجيد مهنته مثلما يجيد أي إسكافي مهنة حذو الخيول. وفي صدر هذا الرجل يأوي ضحك أمريكا، وإفريقيا، ويضحك أيضاً ضحكاً أبيض، أحمر، أصفر بحسب التسعيرة، حتى بات ضرورة اجتماعية لا غنى عنها.. فهو يضحكك بضحك الليل والنهار والفجر والصباح، وأكثر من ذلك يشيع عدوى الضحك.. «.. عند اللحظة المحددة سلفاً انفجر ضاحكاً، فيتبعني الجمهور برمته هادراً معي».
عندما ينهي عمله هذا الرجل الضاحك أو الضحّاك، يذهب إلى غرفة تبديل الملابس، ولكنه خارج أوقات عمله لا يضحك أبداً. في الإجازات أيضاً لا يضحك، وهو مثل راعي البقر الذي ينتابه السرور حين ينسى البقر في إجازته، والنجّارون تكثر الأبواب المخلّعة في بيوتهم ولا يصلحونها في أيام إجازاتهم، والحلوانيّون يستطيبون أكل المخلّل.
أحياناً، تطلب منه زوجته أن يضحك في البيت، ولكنه لا يقوى على الضحك، وحتى ضحك الآخرين بات يوتّر هذا الرجل لأنه يذكّره بمهنته، ولكنه، أحياناً، يسمح لنفسه بابتسامة خفيفة، ودائماً يتساءل فيما إذا كان قد ضحك في يوم من الأيام.. يقول: لا أظن ذلك،.. إنه طول عمره لم يسمع أبداً ضحكته الخاصّة.
يمكن أن تستوقفك هذه القصة، وأجزم أنها حقيقية، في أمرين.. أن الضحك يمكن أن يكون صناعة أو تجارة أو مهنة شأنه شأن النجارة أو الخياطة أو دباغة الجلود أو نسيج السجّاد.. ورجل القصة الضاحك هذا يبدأ دوامه في وقت محدّد، وينتهي في وقت محدد، وعلى رغم أنه اختار هذه المهنة محض إرادته، فهي مهنة ليست سهلة، إنه يعاني أشد المعاناة لكي يدخل البهجة على قلوب بشر قد يكونوا في ذروة أحزانهم.
هل كان يضحك هذا الرجل طيلة سنوات عمله في مهنته هذه؟؟.. أبداً أنه لم يضحك في أي يوم من الأيام..
العطّار يسمح لنفسه بأن يضع نقطتين من العطر على ياقة قميصه، و«الحلونجي» يطيب له أحياناً أن يأكل قطعة من الكعك الرائع الجميل أمامه، و«المكتبجي» يمضي حياته في قراءة الكتب.. لكن رجل قصة «هاينرش بُلْ».. لم يكن يسمح لنفسه سوى بابتسامة عابرة.. وتصل القصة إلى ذروة مرارتها وحزنها اللاذع، عندما يصف حياته الزوجية..
«.. نحن ننعم بحياة زوجية هادئة، مسالمة، لا سيما أن زوجتي هي الأخرى قد نسيت كيف تضحك..».
روى لي صديق، قال إنه كان يحضر حفل عشاء، وصادف أن طاولته كانت قريبة من طاولة كان يجلس إليها، نجم كوميديا عربي شهير لم يكفّ عن التنكيت والتهريج والضحك هو ومن كان يجالسه على طاولة العشاء.
.. التعليق متروك للقارئ الصديق الذي يعرف كيف يبتسم، ومتى؟، ولماذا؟.

yabolouz@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى