طريق التنمية الأوبراليّة
عبد اللطيف الزبيدي
ما هي الخطوات الضرورية لكي تصبح دار الأوبرا دار أوبرا؟ من حيث الأصل اللغويّ في الإيطالية، تعني مفردة «أوبرا» العمل والأثر إجمالاً بغير تخصيص. التخصّص جاء لاحقاً، فانحصرت الدلالة في جنس موسيقيّ له ألوان شتى تأخذ طابع المسرحية الغنائية. بالمناسبة، يغيب عن الأذهان عند استخدام «أوبراسيون»الفرنسية، و«أوبريشن» الإنجليزية، بمعنى العمليّة، أنها مأخوذة مشتقة من«أوبرا»، العمل. قل إن شئت هم على حق، فلا أحد ينصرف حسّ فضوله اللغويّ إلى العلاقة بين عملية جراحية على البنكرياس، وبين أوبرا«حلاق إشبيلية» لروسيني.
خيال الفرنسيّين اللغويّ ملهم معبّر، بالرغم من كونهم درجة ثالثة أو رابعة في الأعمال الأوبرالية، بعد الإيطاليين والألمان والنمساويين. لكنّ لهم استعمالين مجازيين لكلمة «أوبرا»، يستخدمونها للتعبير عن الشيء العسير الشّاقّ: «بلوغ ذلك أوبرا»، وللدلالة على الأمر الرائع: «إن إنجازك أوبرا». ها نحن إذاً أمام شكل موسيقيّ صعب وبديع. إقامة دار لهذا النوع من الأعمال تحتاج إلى معاناة طويلة تنتهي ببلوغ قمّة ساحرة.
اليوم صارت لدبي ومسقط والكويت دور أوبرا، وجدّة على الطريق. تشييد هذه الصروح الفنية بنيان تأسيسي كبير، لكنه يمثل الخطوة الأولى على طريق الألف ميل. إنه كمجيء الجنين إلى العالم، محتاجاً إلى التربية والتعليم والرعاية وصنع المستقبل لبنة لبنة. من الضروريّ عدم الاقتصار على منهج كامبريدج وما شاكله في بناء المعاهد الموسيقية. يجب النظر إلى بعيد، إلى البعيد الأبعد، ألا وهو تدريس الموسيقى العربية (الشرقية) بالتوازي، من منطلق التفكير سلفاً في التمهيد لظهور موسيقيين تجتمع لديهم المعارف الموسيقية المتعددة، يكونون قادرين على تطوير الموسيقى العربية وأشكالها، فنحن لانزال أمّة تدور بغير روية في بوتقة الأغنية الضيقة، عديمة الهوية والأصالة، والمفتقرة كلياً إلى مقومات التطوير.
لقد كان التخطيط سليماً ومنهجياً، بتأسيس الأوركسترا السيمفونية السلطانية في عمان، قبل ثلاثة عقود سبقت تأسيس دار الأوبرا. لكن البناء العمودي والأفقي في التنمية الموسيقية الجادة، يكون أقوم وأرسخ حين ينبني على المناهج الأكاديمية التي يكون حصادها البعيد عازفين مهرة، وظهور مؤلفين موسيقيين، وأدمغة دراسات نغمية وبحوث موسيقولوجية، وتألق أصوات في مناحٍ شتى، من بينها الأوبرا، إضافة إلى قادة الأوركسترا. من دون هذا العمل المديد المضني، الذي يتطلب في السنين الأولى إنفاقاً كبيراً وعائدات ضئيلة، تظل صروح الأوبرا مجرد دور عرض. العروض المستوردة لا تخلو من مساوئ، فهي باهظة التكاليف، وليس فيها تنمية ذاتية واكتشاف وتطوير لمهارات مواهب المكان.
لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: استهلاك المستورد شيء، وإبداع الإنتاج الذاتيّ وتنميته المستدامة شيء آخر.
abuzzabaed@gmail.com