عدة فكرية ضد الإرهاب
د. حسن مدن
في بعض وسائل الإعلام المصرية، وعلى خلفية التفجير الإرهابي الأخير في المسجد بشمالي سيناء الذي راح ضحيته أكثر من ثلاثمئة شهيد، يدور نقاش حول ضرورة أن تقترن القبضة الأمنية القوية، التي هي اليوم ضرورة، أكثر من أي وقت مضى، في التصدي للمجموعات الإرهابية المدعومة من الخارج، بحملة توعية فكرية واسعة حول مخاطر الفكر المتطرف، الذي ينفذ دُعاته وحملته من المدخل الديني للتغرير بالشباب، وحتى غير الشباب، لأن هذا التطرف هو الذي يشكل المهاد التي فيها تترعرع دعوات تحبيذ الدعوات الإرهابية وممارساتها.
أحد التقارير الصحفية أشار، كمثال، إلى الطريقة التي استقبل بها البعض نبأ وفاة الفنانة الراحلة شادية، فبعد الترحم عليها، تأتي أقوال تستهجن كيف أن محطات التلفزة والإذاعة استمرت في إذاعة أغانيها وعرض أفلامها، مع أن شادية نفسها اعتزلت الفن وتحجبت، ما يعني أنها «تابت» عن ماضيها الفني. ويلاحظ التقرير أن مثل هذه الآراء جديدة على المجتمع المصري، وهو مجتمع كان، وعلى الدوام، مجتمعاً مؤمناً ومتديناً، لكنه لم يكن يرى أن تمثيل المرأة في السينما أو غناءها حرام، بل إن شادية نفسها، وقد اعتزلت وارتدت الحجاب، لم تطلب منع بث أغانيها أو عرض أفلامها.
إحدى أكبر المهام التي تجابه المجتمعات العربية وهي تتصدى للإرهاب، هي معالجة البيئة المولدة له، وفي هذا تدخل عوامل متعددة، لكن بين ما يتعين الاهتمام به تعويد المجتمع على التفريق بين التدين والتطرف، فهما مفهومان مختلفان كلية، فأصول التربية في المدرسة والعائلة والجامعة والجامع تقتضي الحث على التدين الصحيح الذي يحقق التنشئة الأخلاقية السوية، ويلبي حاجات الأمان النفسي والروحي للناس.
لكن هذه تظل مهمة ناقصة ولن تؤدي الأغراض النبيلة المنشودة منها، إن لم تقترن بتبيين الخطوط الفاصلة بين التدين والتطرف أو التعصب، وتكفير المجتمع، وهذا الأخير بالذات، أي تكفير المجتمع والتحريض عليه، هو ما دأبت مجموعات «الإسلام السياسي»، بما فيها تلك التي تزعم أنها معتدلة، على الترويج له، خالقة في نفوس الشبان كراهية لهذا المجتمع، ومربية لروح عدوانية تجاهه، تسوغ ممارسة العنف، لأنه، في نهاية المطاف، موجه ضد مجتمع ضال أو حتى كافر، وفق رؤاها الفاسدة، وإلا فما الذي يحمل هؤلاء الشبان المصابين بلوثة التطرف، على أن يقتحموا المساجد في أوقات الصلاة ويقتلوا من فيها من المصلين الراكعين، الخاشعين لربهم؟
القول بالدعوة لتعزيز التسامح والانفتاح ليست جديدة، وهي تزداد كلما بوغتنا بعمل إرهابي، لكنها وحدها ليست كافية إن بقيت مجرد دعوة لا تقترن باستراتيجية تربوية – تعليمية، توظف من أجلها جهود جبارة، وتخضع لتقييم مستمر ويقظ، من أجل استعادة صحة المجتمع وعافيته مما علق به من أدران التعصب والتكفير، وإعادته إلى سويته التي كان عليها قبل ذلك.
madanbahrain@gmail.com