عوض بن سلطان الصيري
إبراهيم الهاشمي
ها هو القلب يفقد جزءاً من نبضه، يتوقف شريان آخر من شرايينه، يتسلل الألم إلى شجرة الروح الكبرى، إذ تفقد جذعاً من جذوعها. تفقد عرقاً من عروقها. تفقد تاريخاً ثرياً من تاريخها، إذ تفقد عوض بن سلطان بن عوض الصيري القمزي، رحمه الله، وغفر له وأسكنه فسيح جناته. الأب والخال والسند والعضد. تفقد بريقاً من الأصالة والنبل. تفقد «شيخ القبيلة»، تفقد صماماً من صمامات ترابطها وقوتها ولحمتها.
كان يأتي وعصاه في يده والبشت على اليد الأخرى، تسبقه ابتسامة عذبة تلملم أطرافنا ابتهاجاً بحضوره المميز، ويقول: أنا شيخكم. فنبصم على ذلك بكل رضا، ونجتمع إليه لنسمع صرير أبواب التاريخ وننفتن بطموحاته ومغامراته ودعاباته. كان عصياً على الكسر. ماتع الحديث، قوي الشكيمة والمراس، صنو وحده، شخصية جذابة جاذبة، قوية لطيفة، يملك ما يجعلنا نحبه مع كل هيبته.
الحزن لا يعصف بالقلب فقط بل يجز الروح جزاً، فنحن مع رحيله نفقد مقوماً من مقومات حضورنا وكياننا ووجودنا، فهو من الكوكبة التي كانت عماد البيت وقوام العشيرة، ممن صنعوا لنا اسماً له مكانته وحضوره وعطاؤه بين الناس وفي المجتمع، شخصية ندين لها مع الآخرين من ذلك الجيل الفريد من أفراد العائلة رجالاً ونساء، رحلوا عن عالمنا بعد أن صاغوا هويتنا وعلمونا وشدّوا وثائق القربى والعزيمة والمحبة بين قلوبنا، كانو الظل والظليل، كانوا القوة والزاد، كانوا ولا زالوا ذاكرتنا والدافع لنا للاستمرار والتعلم والعطاء، ولا تتوقف ألسنتنا عن الدعاء لهم والترحم عليهم وذكر مناقبهم، والسير على خطاهم في شد وثائق القربى والتلاحم والتواصل والتراحم.
رحل عوض، رحمه الله، رحمة واسعة، وأيقظ كل جروح الفقد، فتح كل أبواب المشاعر ونوافذ الإحساس على مصراعيها، وبرغم معرفتنا وإيماننا بقضاء الله وقدره وأننا كلنا على هذا الدرب سائرون، إلا أن رحيل الكبار موجع وصعب، بل صعبٌ جداً.
رحل عوض ومثل عوض لا يعوض.
ibrahimroh@yahoo.com