«فالنتاين» وشقائق النعمان
خيري منصور
مر «فالنتاين» هذا العام بالعالم العربي خجولاً وعلى عجل، وربما حاول إخفاء وردته الحمراء؛ لأن جبال وسفوح وقيعان هذا العالم تعج بما سماه أجدادنا العرب شقائق النعمان.
فما من مساحة من هذه التضاريس سلمت من الدم، ومن سلم من الدم لم يسلم من الدمع؛ لأن الشّجى يبعث الشّجى، ومن يرى أطفال الآخرين يذبحون أو يشردون ترتعش أصابعه وتدمع عيناه وهو يحتضن أطفاله، ورغم أن الحب يعيش حتى في زمن الكوليرا والكراهية والحروب، إلا أنه يبقى خجولاً وهو يطرق الأبواب، وإذا صدقت نبوءة جورج أورويل عن زمن تنعكس فيه دلالات الكلمات، فإن الحب يصبح بغضاء بالضرورة تماماً كما تصبح السعادة شقاء، والشفق غسقاً.
والحقيقة أن للحب بمختلف أشكاله دفاعاته الباسلة ضد الكراهية وثقافتها السوداء؛ لأنه حليف الحياة ضد العناء، وأقرب إلى المهد من اللحد، فهو ولادة أخرى؛ بل قيامة مضادة لكل أسباب الإبادة وإفراغ الإنسان من آدميته.
وفي ذروة الاحتدام والصراع بين النور والظلام كان الحب يلعب دوراً مشهوداً، فهو شكل من أشكال المقاومة، مادام يدافع عن حق الطفل الوليد في البقاء، وعن الأخضر ضد الأصفر والأسود. أما مرور «فالنتاين» بوردته الحمراء المضمخة بدم الطائر الشجي على عجل هذا العام، فذلك لأن هناك حواجز وقطاع طرق يقبضون على من يضبط قلبه متلبساً بالحب، فالقتل أحياناً يصبح على النية وليس على الهوية، لهذا من حق الذين يدافعون عن حقهم في الحياة وعن كل ماهو أخضر وطيب في هذا الكوكب ألّا يخجلوا من البوح بالحب، فهو مظلة بسعة العالم كله، تمتد كسقف من حرير على أمهات وآباء وأبناء وأوطان وشجر.
وسواء كان عيد الحب مقترناً ب«فالنتاين» وأسطورته الحمراء أو بمجانين ليلى في تراثنا، فإن نهاية الحرب الطويلة بينه وبين الحقد والكراهية محسومة لصالحه، فهو ابن الحياة البكر بعكس الكراهية، التي لم تجد لها حتى الآن أباً؛ لأنها لقيطة وطارئة وجملة معترضة في كتاب الحياة!