فشل «جنيف 8»
صادق ناشر
الإعلان عن فشل مفاوضات السلام الأخيرة في سوريا كان متوقعاً؛ نظراً للأجواء التي رافقت سيرها وحسابات الأطراف المشاركة فيها، فالنظام لم يعد يتصرف كطرف مضطر لتقديم تنازلات، بل إملاءات، نتيجة تغير الأوضاع على الأرض لصالحه، والمعارضة لم تعد تمتلك أوراق ضغط حتى تُجبر النظام على التراجع. باختصار معادلة مختلة، ومن الطبيعي أن تؤول جولة «جنيف 8»، كما آلت إليها سابقاتها في جنيف أو في أستانة، وكأن شيئاً لم يتأسس لإعادة سوريا إلى مسار المفاوضات الجادة.
بعيداً عن تصريحات طرفي الأزمة، وهما النظام والمعارضة، فإن ما أدلى به المبعوث الأممي إلى سوريا دي ميستورا، يشير إلى طبيعة التحديات التي تواجه مسار المفاوضات؛ لإعادة السلام المفقود في هذا البلد، الذي يعاني حرباً ضروساً منذ أكثر من ست سنوات، فالمبعوث الأممي يؤكد أن مباحثات جنيف الأخيرة لم تشهد مفاوضات حقيقية، فهو يرى أن النظام لم يرغب في الحوار، وبحسب دي ميستورا، فإنه لم ير الحكومة تسعى لحوار وأضاعت فرصة حقيقية.
جوهر الخلاف الأساسي في المفاوضات يتمحور حول المرحلة الانتقالية، فالطرفان يختلفان حول طبيعتها وشكلها وحدودها، فالنظام يرفض المساس بقضية رئاسة بشار الأسد؛ فيما تطالب المعارضة بمرحلة انتقالية لا يكون فيها الأسد، تضاف إلى ذلك قضايا أخرى، أهمها الدستور القادم لسوريا وشكل الدولة وغيرها؛ لهذا يطالب وفد النظام بإلغاء بيان الرياض، الذي أصدرته المعارضة قبل انطلاق «جنيف 8»، والذي تبنّى المرحلة الانتقالية شرطاً للحل.
رئيس وفد نظام الأسد بشار الجعفري، اشترط إلغاء بيان المعارضة للدخول في مفاوضات مع المعارضة، ورأى أنه لا مفاوضات طالما ظلت المعارضة متمسكة بموقفها من رحيل الأسد.
أما رئيس وفد المعارضة إلى «جنيف 8» نصر الحريري، فقد بدا واضحاً من تصريحاته عقب انتهاء الجولة الأخيرة من المفاوضات أنه غير متفائل بما آلت إليه الجولة الأخيرة، واعتبر أن «هناك من جاء ليغتال السلام، ويقتل حلم السوريين بالحرية، مستنداً إلى ذرائع واهية، لم يلقِ لها أحدٌ بالاً في المجتمع الدولي».
والحقيقة أنه لم يكن هناك تفاؤل جدي في إحداث اختراق في مسار المفاوضات؛ لأن الوقائع على الأرض تميل بدرجة رئيسية لصالح النظام، الذي مهدت له روسيا الظروف للإمساك بزمام المبادرة، وبالتالي صار من يفرض شروطه لا المعارضة، التي كانت تمتلك بعضاً من أوراق الضغط، قبل أن تتدخل روسيا وتقلب المعادلة لصالح النظام.
الوقائع تقول اليوم إنه كلما تأخرت الحلول السياسية، كلما ثبت النظام وضعه أكثر وأكثر، وتتلاشى معها حظوظ المعارضة في تسجيل أي نصر سياسي، أما النصر العسكري، فمن الواضح أن المعارضة لم يعد بيدها ما يمكن أن يرجح كفتها، أو قدرتها على إعادة خلط الأوراق التي من الممكن أن تفيدها في المفاوضات المقبلة، خاصة في ظل تشتت قواها وتخلي الكثير من الداعمين لها، ما يعني أن النظام سيفرض شروطه في أية مفاوضات مقبلة، أو سيتصرف كأن شيئاً لم يكن.
sadeqnasher8@gmail.com