فعل يومي استشهادي..

يوسف أبو لوز
الكثيرون سمعوا للمرة الأولى بأسماء العديد من الدول التي صوتت لصالح ترامب في هيئة الأمم المتحدة، وكذلك الدول التي امتنعت عن التصويت، وهي معاً دول مجهولة بعضها جزر نائية مثل ناورو، وها أننا نعرف للمرة الأولى أن هناك دولاً موجودة على خريطة العالم مثل: ميكرونيزيا، انتيغوا بارباو، كيرباتي، بنين، بوتان، ليسوتو، توباغو، توفالو، فانواتو..
قد يكون البعض عرف هذه الدول أو زارها، ولكن هؤلاء محدودين جداً في العالم، وهذا ليس هو المهم.. المهم هنا هو القيمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الدول النادرة في العالم.. ونحن لا نعرف شيئاً أو على الأقل الكثير منا عن اقتصادات هذه الدول، وحجم المساعدات التي تتلقاها من الولايات المتحدة الأمريكية، والأرجح أن ترامب نفسه يسمع لأول مرة في حياته عن دول بهذه الأسماء، وفي كل الأحوال عملت الهيئة العامة للأمم المتحدة ما يشبه الدعاية لبلدان مجهولة أو شبه مجهولة في العالم عن طريق موقفين: الرفض أو الامتناع.. وثمة خيط صغير جداً بين الرفض والامتناع.. وفي كل الأحوال تظل دولاً نكرة لا تؤخر ولا تقدم.
على أي حال انتصر الحق الفلسطيني بدعم من دول العالم المستقلة ذات السيادة والقانون، وانكسرت شوكة سياسة الابتزاز وليّ الذراع والمساومات وهذا يعني أن العالم بخير، وأن القدس عربية فلسطينية إلى الأبد. لكن اللافت حقاً في خريطة التصويت هو موقف دولة مثل «البوسنة» وأكثر من ٪50
من سكانها مسلمون، وكان للعرب موقف تضامني إنساني معروف تجاه شعبها الذي تعرّض للتنكيل والقتل من جانب الصرب.. في حين أن صربيا، وهذه المفارقة، قد صوتت ضد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، وأكثرها شراسة اليوم اعتبار القدس عاصمة للكيان «الإسرائيلي».
دولة، أيضاً، مثل الكاميرون هي عضو في المنظمة الإسلامية تمتنع عن التصويت ومن يمتنع عن التصويت هو ضمنياً خاضع للابتزاز الأمريكي.
كل ما سبق أعلاه كلام سياسي أو شبه سياسي تجاوزه الفلسطيني إلى الفعل اليومي الاستشهادي على الأرض، وهو في هذا الفعل يجسّد بكل وضوح أن قضية القدس هي أيضاً قضية فلسطين في عنوانها التاريخي العام، وأن قضية القدس ليست فقط تاريخية ودينية وروحية المدينة، بل وأيضاً تاريخية الخليل، وبيت لحم، ورام الله، وغزة، ونابلس، وطولكرم، وجنين، ويافا، وحيفا، وعكا.
في كل مرة يعود فيها ملف القدس إلى الواجهة الفلسطينية والعالمية.. تعود أيضاً فلسطين وقضيتها العادلة إلى الواجهة.. وأكثر من ذلك، توحد هذه المدينة المقدسة شعب فلسطين أكثر مما توحده السياسة والفصائل واللغة الدبلوماسية الناقصة.
الكثير من الشهداء الشباب الذين رووا بدمائهم تراب وطنهم هم من مدن فلسطينية مختلفة.. وبوصلة أرواحهم دائماً نحو القدس.