فنتازيا علوم اللغة
عبداللطيف الزبيدي
ماذا لو كانت للغويين الأوائل حواسيب؟. المؤرخون يسخرون ممّن ينطلق في دراسة التاريخ من عكس نتائج الوقائع. مثلاً: ماذا لو انتصرت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية؟ مفاد الفرضية اللغوية: هل كانت مكتبتنا اللغوية، ستبلغ المستوى اللامعقول في التعقيد؟.
لنأخذ كتاباً من الطراز الذي أطلق القلم على منهجيّة تأليفه اسم «فنتازيا علوم اللغة»، وهو عمل جبّار في 599 صفحة، للعالم اللغوي الحسين بن أحمد بن خالويه (القرن الرابع الهجري). معاصر للمتنبي، أحمد بن الحسين. عنوان الكتاب: «ليس في كلام العرب»، والقارئ قبل قراءته يقع في مفارقات عجيبة، لأنه يتوقع أن المؤلف سيحدّثه عمّا ليس في كلام العرب. في هذه الحالة يحتاج ابن خالويه إلى ملايين الصفحات، ليأتي على ذكر ما في ألسنة الأمم والشعوب من مفردات لا وجود لها في اللغة العربية، مثل بنجور وبنسوار، إلاّ إذا قصدت: ابن جَوْر وابن سِوار. سيقال: وما الفائدة من الحديث عمّا ليس في اللسان العربي؟ هنا تكتشف أن المؤلف نصب فخّاً ماكراً، فقد أعدّ لك 188 فصلاً أو باباً كلها على النسق التالي: ليس في كلام العرب على وزن كذا إلاّ كذا وكذا. الطرافة لازمة: «ليس في كلام العرب كلمة أوّلها واو وآخرها واو، إلاّ قولهم واو»، سيصيح البريطاني: وااااو.
مجهود ابن خالوية شيء مذهل، فهو عمل معجميّ شائق وشاقّ، وإن كان يطرح أسئلة لفرط غرابة هذا المسلك في علوم اللغة: هل دار في خلد المؤلف أن أهمّ ما يتبادر إلى الذهن في هذا المجال هو ضرورة البحث عن الأسباب التي جعلت الأوزان والجموع وسائر الاشتقاقات المذكورة قليلة أو نادرة في العربية؟ ما علّة وجود عشرة جموع لمفردة واحدة؟ إسراف لفظيّ أم افتتان بموسيقى الكلمات؟ هذا النوع من التأليف يتطلب دراسة جدوى وشهادة «آيزو». هل يساوي الوقت والجهد؟.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإحصائية: لو كان لابن خالويه حاسوب وبرمجية فعّالة، لاحتاج إلى أقل من ثانية لتأليف هذا الكتاب.
abuzzabaed@gmail.com