مقالات عامة

فيتو شعبوي

فيصل عابدون

لم يكد قادة الاعتدال الأوروبي يكملون فرحتهم بعودة المستشارة الألمانية ميركل إلى السلطة حتى عاجلتهم الانتخابات الإيطالية بمفاجأة صادمة وضعت تيارات اليمين الشعبوي المتطرف في صدارة المشهد السياسي، ما يمثل تهديداً مباشراً للوحدة الأوروبية في واحدة من أهم الدول المحورية للمشروع بعد ألمانيا وفرنسا.
لقد خسر رهان القادة على رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، السياسي العجوز الذي كان يعول عليه أن يقف سداً تتحطم عنده طموحات التيار الشعبوي الجارف. خسر برلسكوني السباق رغم فوز التحالف الذي يضمه مع حزب رابطة الشمال اليميني المتطرف بحوالي 37 في المئة من الأصوات، لكن الحزب الشعبوي هو الذي حصد الجزء الأكبر من هذه النسبة متقدماً على حزب برلسكوني. وفي الجانب الآخر فقد حققت حركة «النجوم الخمس» المعادية بتطرف لهيئات الحكم اختراقاً تاريخياً بحصولها على 32 في المئة من الأصوات.
لقد تغيرت الخريطة والمشهد السياسي برمته. خسر الديمقراطيون واليساريون وسقط الرهان على برلسكوني وتفتحت الأبواب أمام التيارات الشعبوية للوثوب إلى سدة الحكم في إيطاليا. وأصبحت أوروبا المعتدلة في موقف المدافع، وتوسعت شهية الأحزاب اليمينية في فرنسا وهولندا وفي ألمانيا نفسها لتحقيق مكاسب مماثلة.
ويقول المراقبون إن نتيجة الانتخابات الإيطالية قسمت أوروبا إلى معسكرين: أولهما معسكر الوطنيين الانعزاليين المعادين للهجرة وعولمة الحراك البشري، وثانيهما معسكر مؤيدي الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي وقادة التيارات الشعبوية في أنحاء أوروبا المختلفة.
والتهديد الذي يطال مشروع الوحدة الأوروبية جراء الصدمة الإيطالية يمكن أن تتسبب فيه هشاشة الوضع الذي تخلقه التركيبة السياسية الجديدة كما يمكن أن تطلقه قوة الأحزاب اليمينية إذا تمكنت من السلطة في إيطاليا وحفزت غيرها في الدول الأوروبية الأخرى.
فالانتخابات التي لم تفرز أغلبية نيابية واضحة تمكن أحد الفائزين من تشكيل حكومة مستقرة قد تعني دخول إيطاليا مرحلة من عدم الاستقرار السياسي في دولة تعتبر ثالث أقوى اقتصاد في منطقة اليورو. ويمكن القول بعبارات أخرى إن الهشاشة الناجمة عن عجز الأحزاب الشعبوية عن الحصول على أكثرية نيابية أو حليف مقرب لتشكيل الحكومة ستكون نتائجها وخيمة على الاستقرار في إيطاليا وفي أوروبا أيضاً.
أما في حال نجاح أحزاب التيار الشعبوي المتطرف في رص صفوفها والإمساك بزمام السلطة فإن تاريخاً جديداً يكون قد بدأت تصبح الوحدة الأوروبية معه أملاً بعيد المنال وحلماً من أطياف الماضي. فالشعبوية بما هي تفضيل للمصلحة القومية أولاً وقبل كل شيء وبما تختزنه من المشاعر العنصرية وكراهية الآخر، لا تهدد مسيرة الوحدة الأوروبية فقط، لكنها تهدد القيم الديمقراطية نفسها بنفس القدر الذي تمثل فيه تهديداً للسلام والاستقرار الدولي.

Shiraz982003@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى