جديد الكتب

قطر.. دولة صغيرة تسعى لدور كبير

تأليف:ديفيد روبرتس

«قطر.. سعي الدولة الصغيرة لدور عالمي»، كتاب حديث، صدر قبل أسبوعين فقط، ويتناول تاريخ دولة قطر الحديث، لمؤلفه الدكتور ديفيد روبرتس الذي يعرّي التجربة القطرية لقزم يحاول التعملق، ضمن دراسة وافية وعميقة عن الدولة الصغيرة، وقد حصل الكاتب على درجة الدكتوراه لبحثه عن علاقات قطر الدولية وما يشوبها من ريبة.

ويسرد الكتاب المعلومات التاريخية وخفايا علاقات الدوحة مع دول تتميز بعلاقات عداء مع المنطقة وعلى رأسها «إسرائيل» وإيران، كما يلقي الضوء بالشرح والتفصيل على الجوانب الخفية والمتشابكة للعلاقات التجارية، والسياسية، والدبلوماسية القطرية الغريبة مع مختلف دول العالم. ووصف مجموعة من الكتاب والنقاد الكتاب بأنه محاولة طموحة، وحرفية لوصف وتقييم ظاهرة الدولة الصغيرة عبر تحليل سياساتها ضمن إطار استراتيجي عام لتوجهات النظام القطري ومن تولى سدة الحكم فيها. وقال فيه البروفيسور ماثيو جري، أستاذ السياسات العامة بجامعة أستراليا الوطنية، ورئيس مركز ANU للدراسات الاجتماعية والأبحاث، إنه يقدم شرحاً متقدماً لطيف العلاقات القطرية الخارجية، علاوة على أنه يشرح السبل التي تحاول بها الدوحة اكتساب مكانة أكبر من حجمها الحقيقي على الصعيدين الإقليمي والدولي، معتبراً إياه مساهمة فريدة في الجدل الدائر حول العلاقات الخارجية في الشرق الأوسط.
يكشف الكاتب النقاب في كتابه عن تشعبات الموقف القطري، وتشابكاته في العديد من القضايا، وتناول بالشرح والتفصيل كيف تحولت الدولة التي كانت قبل عقدين من الزمن لا تحرك ساكناً، إلى واحدة من أكثر دول المنطقة «مشاغبة»، خصوصاً بعد انقلاب الابن على أبيه في العام 1995، في إشارة إلى انقلاب حمد بن خليفة على والده خليفة آل ثاني، وتسلمه مقاليد السلطة في قطر، وهو الحدث الذي رأى فيه الكاتب نقطة التحول المفصلية في مواقف الدوحة وأنشطتها، والدور المتشعب والمريب الذي تلعبه قطر في المنطقة، والذي يرى الكاتب أن الدور المستجد جاء بطريقة فاجأت الأوساط العالمية في سرعة التحول الذي كان ينظر إليه بريبة وحذر.
ويتناول الكتاب – الذي يتألف من 11 فصلاً – الجوانب التاريخية الخفية لنشأة دولة قطر وعلاقاتها الخارجية التي اتسمت بالتناقض، بين المصالح خصوصاً مع الغرب والولايات المتحدة، والمقامرة في العلاقة مع الجماعات الإرهابية، إضافة إلى سياساتها المستجدة التي سادت بعد طفرة الغاز الطبيعي، وهي سياسة قائمة على الفساد ودفع الرشى، ومحاولاتها التأثير واكتساب النفوذ من خلال ورقة الغاز الطبيعي، والأموال الطائلة التي جنتها منه. وخصص الكتاب جزءاً كبيراً للحديث عن سياسات قطر ودورها التاريخي في الوساطات الدولية، وعلاقاتها «المحرّمة» في محيطها مع كل من إيران و«إسرائيل». كما استعرض الكاتب في أجزاء من كتابه الذي صدر حديثاً نشأة قناة «الجزيرة»، والثورة الإعلامية التي أحدثتها، ومناداتها بالحرية والديمقراطية، وبعض الشعارات «الخلابة»، فيما دولة قطر تفتقر إلى جميع ما تتغنى به الشبكة، على حد وصف الكاتب.
وخصص الكاتب أجزاء من كتابه للحديث عن موضوعات خفايا حصول قطر على حق استضافة كأس العالم 2022، والشبهات التي تدور حول تلك المسألة، ومحاولة اكتسابها لنفوذ مفقود في ضخها أموالاً طائلة في العديد من الأنشطة، والتدريبات الشاقة التي تمارسها كدولة لاكتساب القوة الناعمة. كما تناول في أحد أجزائه موقف قطر من ثورات الربيع العربي التي أدت إلى زعزعة استقرار المنطقة برمتها، متناولاً بالشرح والتفصيل الأنشطة المضادة لدول المنطقة، التي قامت بها الدولة في سبيل تعزيز نفوذها الدولي الذي وصفه الكاتب بأنه «لا يتخطى الحجم الجغرافي للدولة».
وألقى أحد فصول الكتاب الضوء على دولة قطر خلال فترة حكم أميرها الحالي تميم بن حمد آل ثاني، والتوجهات التي امتاز بها حكمه خلال هذه الفترة التي كانت بمثابة امتداد أكثر تركيزاً من الفترة السابقة التي حكم فيها والده حمد بن خليفة. وانتهى الكتاب لاستعراض بعض من توقعاته لما ستؤول إليه الأوضاع نتيجة لسياسات قطر، وأطماعها، وطموحاتها في نفوذ دولي أكبر من حجم قدراتها.
وفي شأن التناقضات التي يمتاز بها الإعلام القطري، أشار الكاتب إلى أن قطر حاولت طوال سنوات عدة تحقيق بعض المكاسب التي تعزز من مكانتها ونفوذها، مثل إنشائها قناة «الجزيرة» التي تلقى انتقادات كبرى في المنطقة بسبب توجهاتها المختلفة عن نظيراتها، من حيث أعرافها، ومبادئها الإعلامية، بجانب سعي الدوحة للحصول على حق استضافة فعاليات كأس العالم 2022، بأي ثمن، وهو ما حصلت عليه في النهاية وسط شبهات كثيرة تدور حول هذا الملف، وهي الجهود التي اعتمدت عليها قطر في سعيها لتحقيق بعض من طموحاتها المتعملقة. وعلى جانب آخر، أشار الكاتب إلى التوجهات الإعلامية التي تبنتها قطر، إضافة إلى عوامل أخرى كثيرة، في ما يتعلق بالحروب والصراعات الدائرة في المنطقة، قادت في النهاية دولاً مثل سوريا وليبيا إلى الوقوع في براثن الحرب الأهلية، فضلاً عن دعم الجماعات الإرهابية، حيث تتوجه أصابع الاتهام إلى قطر في دعمها للجماعات المتطرفة.
وطوال هذه الفترة التي تخللتها العديد من الأحداث والحروب والنزاعات، وصف كُتاب وصحفيون من جميع أنحاء العالم التغطية الإعلامية القطرية لتلك الأحداث بطريقة وصلت حد الابتذال، واستعرض الكتاب بعض الأمثلة على ذلك، مثل وصف بعض الصحف بأن قطر تلعب دوراً أكبر من حجمها الحقيقي، وبعض النماذج الأخرى مثل «القزم النطاط»، العنوان الذي وضعته مجلة «إيكونوميست» لموضوع عن قطر، و«القزم صاحب الضربة القوية»، و«دبلوماسية بساط الريح» وغيرها، إضافة إلى العديد من الموضوعات النقدية والتحليلية التي تحدثت عن دور قطر، وأنشطتها، وسياساتها الخارجية.
وأجرى الكاتب مقارنة نوعية بين كل من قطر والسعودية من جهة وبينها وبين وإيران من جانب آخر، حيث ذكر أن قطر تمتلك بالشراكة مع إيران أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، بيد أنها أصغر حجماً من شريكتها ب 144 مرة، و187 مرة بالمقارنة مع السعودية. وفي ما يتعلق بالقوة العسكرية، وبغض النظر عن أن جيش قطر يمثل فيه القطريون أنفسهم أقلية بما لا يتعدى 30%، قال الكاتب إن القوة العسكرية الكبيرة للسعودية مثلاً، لا يمكن مقارنتها بأي شكل من الأشكال مع قطر.
وكانت قطر منذ بداية نشأتها كدولة صغيرة تعتمد على التحالفات القبلية التي تستند إلى القوى الخارجية، وقد اعتمد قادتها منذ تأسيسها – ونظراً لقلة مواردها – على تعزيز تحالفاتهم الإقليمية، عبر تحول في المواقف بما يتناسب مع الأوضاع القائمة التي تحفظ استقرارها، وواصلت نهجها: «التغير السريع في علاقاتها الخارجية»، وأنشطتها منذ الستينات وحتى اليوم. وبحسب الكتاب، ترتبط سياسة قطر في الأوساط الغربية بالمثل «خالف تعرف»، والمكان الأكثر مللاً في الخليج، وقد كانت الدولة واحدة من أكثر المناطق إهمالاً تحت الحكم العثماني الذي لم يعرها أي أهمية، علاوة على أنه لم يكن لها أي دور في الحرب العالمية الأولى، أو الثانية، أو الحرب الباردة، فضلاً عن أنها لم تلعب أي دور فعال في القضايا العربية نفسها.

من مرحلة «السكون» إلى محاولات البروز

بدأت قطر، وفقاً للكتاب، منذ نحو عقدين من الزمن بتبني توجهات جديدة تتمحور حول الظهور الإعلامي بشكل أكبر، والترويج لأنشطتها، ومحاولة اكتساب النفوذ من خلال العديد من الأنشطة السياسية، والإعلامية، والوساطات الدولية، وغيرها، وهي التوجهات الجديدة التي تزامنت مع طفرة الغاز الطبيعي الذي بدأ يدر على حكّام الدوحة أموالاً طائلة، حيث استهلت علاقاتها الخارجية في بدايات مرحلة التحول مع كل من الصين والاتحاد السوفييتي، كما بدأت بتعزيز علاقاتها التجارية والسياسية مع إيران، وأنشأت علاقات دبلوماسية مع «إسرائيل»، وسمحت للولايات المتحدة بإنشاء قاعدة عسكرية على أراضيها، وهو الاتفاق الذي تم التوصل إليه في العام 1992.
وفي تحدٍ للدور القيادي الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في المنطقة، وتزامناً مع تلك التوجهات الجديدة، بدأت قطر أيضاً بتوسيع دائرة دعمها السياسي والمادي لجماعات مسلّحة مصنّفة كجماعات إرهابية مثل حركة «حماس» و«حزب الله»، كما عملت منذ بداية الألفية الجديدة على لعب أدوار وساطة إقليمية جديدة، شمالاً وجنوباً وغرباً، وصولا إلى موريتانيا والسودان وغيرهما، وهو ما لم تشهده المنطقة قبل ذلك من جانب دولة قطر. وقد مثل تنوع علاقاتها السياسية جزءاً من جهودها الهادفة إلى إبراز الدولة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ومارست خلال هذه الفترة جهوداً جبارة لاكتساب القوة الناعمة من خلال تأسيس قناة الجزيرة، ومحاولتها استضافة الكثير من الرموز الفكرية والثقافية، علاوة على الفعاليات الإقليمية والعالمية، وهو ما يعتقد الكاتب أنه يمكن أن يكون غطاء للعديد من الأنشطة المتناقضة في المنطقة.

الربيع العربي.. والوجه الحقيقي

تميز الموقف القطري بشكل عام، خلال الفترة التي سبقت الربيع العربي، بعدم الوضوح التام، وكشف الأهداف والنوايا المرتبطة بعلاقاته وأنشطته الخارجية، بسبب تخوفها من أن كشف تلك التوجهات والأهداف بشكل علني يمكن أن يؤجج التوجهات المضادة لتلك الأهداف من جانب دول المنطقة، التي حتى إن اختلفت في تفاصيل عدد من القضايا، فإنها تتفق في الاستراتيجيات، الأمر الذي أجبر قطر على التعامل مع القضايا بطريقة لا تكشف بها جميع أوراقها، وقامت باستخدام علاقاتها الدبلوماسية المتشابكة في دعم جماعات مسلّحة في كل من ليبيا وسوريا، عبر وسطاء، وبطريقة غير مباشرة في البداية، إلا أنه سرعان ما انكشف ذلك الدعم نتيجة للتوجهات الإعلامية لشبكة الجزيرة، التي فضحت أنشطة الدوحة ودعمها للمتمردين، والحركات المتطرفة في ليبيا، وسوريا، والعراق، وغيرها، علاوة على أنها قدمت، وبشكل علني، دعماً سياسياً ومالياً كبيراً لجماعة الإخوان المسلمين منذ بداية الثورة التي طالبت بتنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك، إلى أن سيطرت جماعة الإخوان الإرهابية على مقاليد الحكم في مصر نتيجة للدعم الذي تلقته من قطر مالياً وإعلامياً.
وسرعان ما انكشف الوجه الحقيقي للجماعة التي كانت خلال فترة الانتخابات ترفع شعارات مضللة بدعم وترويج مباشر من قنوات الجزيرة، التي كانت تهلل وتتغنى بانتصار كاذب للديمقراطية في مصر، حتى جاءت الثورة التي أسقطت حكم الإخوان ، وسقطت معها المبادئ والقيم التي كانت تتغنى بها قطر، و«جزيرتها»، وفقاً للكاتب. ووصف الكاتب الموقف القطري في دعم جماعة الإخوان المسلمين بالغريب، حيث أشار في استعراضه لدراسة متقدمة عن طبيعة العلاقة القطرية – الإخوانية إلى أن الهدف الرئيسي من تلك العلاقة غير واضح المعالم، مرجحاً أن يكون محورها المصالح المشتركة، وإبراز دولة قطر وتعزيز نفوذها الإقليمي.

نبذة عن المؤلّف

الدكتور ديفيد روبرتس حائز درجة الدكتوراه من جامعة دورهام البريطانية، عن بحثه الذي تعمق في العلاقات الدولية لقطر، وقد انضم في 2013 إلى فريق عمل قسم دراسات الدفاع بكلية «كبنجز» التي تتخذ من لندن مقراً لها، والتي تتبع الكلية الملكية لدراسات الدفاع. عمل روبرتس سابقاً كمدير لمكتب قطر في المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع، (RUSI Qatar).

زر الذهاب إلى الأعلى