قمة اللقاءات الجانبية
د.ناصر زيدان
قمة مجموعة العشرين التي انعقدت مؤخرا في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، كانت قمة اللقاءات الجانبية والثنائية بامتياز، بحيث أن نتائج المباحثات الجانبية التي حصلت بين القادة المشاركين، كان لها أثر سياسي تجاوز الآثار التي أحدثها البيان الختامي المشترك الصادر عن القمة، حتى أن إلغاء اجتماع القمة الذي كان مقرراً بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بطلب من الأول، سلَّط الضوء على اللقاءات الثنائية – التي حصلت منها والتي لم تحصل – لأن عدم حصول الاجتماع بين بوتين وترامب بسبب أزمة بحر آزوف المُستجدة بين روسيا وأوكرانيا، أثار بلبلة واسعة على المستوى الدولي، وفي أروقة القمة، وانعكس سلباً على البيان الختامي الذي تجنَّب محاكاة القضايا الدولية الجوهرية، ومنها مشكلة أوكرانيا.
مجموعة العشرين التي تأسست منذ عشر سنوات لمواجهة آثار الأزمة المالية الدولية التي حصلت آنذاك، أخفقت في معالجة مشكلات أساسية اقتصادية ومالية يعانيها العالم اليوم. والبيان الختامي الذي صدر عنها، لم يتبنَّ المعالجات التي اقترحتها إسبانيا لتعويم منظمة التجارة العالمية. كما أخفقت القمة في إقناع الولايات المتحدة بالعودة إلى اتفاقية باريس للمناخ، رغم إجماع الدول المشاركة جميعها على هذه المسألة.
من أبرز اللقاءات التي حصلت على هامش اجتماع مجموعة ال 20 في بوينس آيرس، قمة ثلاثية حصلت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ذلك أن نجاح بوتين في جمع الزعيمين الآسيويين، يعتبر حدثاً دولياً لا يمكن إغفاله، أو التقليل من شأنه، ويحمل الكثير من الدلالات الاقتصادية، بصرف النظر عن الخلافات السياسية الكبيرة القائمة بين الصين والهند.
في المقابل، فإن القمة التي جمعت الرئيس الأمريكي ترامب مع الرئيس الصيني جين بينج – والتي استمرت لأكثر من ساعتين على عشاء عمل – كانت بالغة الأهمية من حيث الشكل ومن حيث المضمون. فهي قد حصلت بعد اختتام مؤتمر قمة العشرين مساء السبت 1-12-2018، وعلى طاولة عشاء واستغرقت وقتاً طويلاً، ومضمون بعض نتائجها التي سُرّبت إلى الصحافة كان مهماً، خصوصاً إعلان الرئيس ترامب أنه سيتوقف عن فرض رسوم جمركية جديدة على الصادرات الصينية للولايات المتحدة الأمريكية والبالغة 200 مليار دولار بدءاً من أول عام 2019.
وفي واقعة تأكيد طغيان أهمية اللقاءات الثنائية التي حصلت على واقعة اجتماعات القمة المشتركة، يمكن إدراج الاجتماعات التي عقدها الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية مع أغلبية الرؤساء المشاركين، لا سيما منهم رؤساء الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين والهند وغيرهم. وجاءت هذه اللقاءات لتساهم في طي صفحة من التباينات الإعلامية التي حصلت في الفترة الأخيرة على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول.
قمة العشرين في الأرجنتين هذا العام فشلت في وضع ضوابط واضحة للخلافات الدولية حول التدفقات المالية الساخنة، وحول إرساء ثوابت تجارية تتجنَّب إغراق الأسواق، ولم يستطِع المجتمعون إقناع الولايات المتحدة بوضع شروط بيئية على عملية التصنيع تلتزم فيها بما ورد في اتفاقية باريس للمناخ، كما أنهم فشلوا في الاتفاق على إعلان مقاربة موحدة تحاكي الأزمات الدولية المتفاقمة، خصوصاً موضوع الخلاف الأوكراني – الروسي، أو موضع سوريا، حتى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعترف بأن ملف منطقة إدلب السورية يحتاج إلى قمة جديدة مع الرئيس بوتين، لأن بنود القمة السابقة في مدينة سوتشي الروسية لم تنفذ بالكامل.
وعلى الضفة الأخرى؛ فإن تركيز الرئيس الروسي بوتين على لقاءاته مع الأوروبيين كان لافتاً، خصوصاً اجتماعه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ومع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما تحادث مع رئيس وزراء إيطاليا جوزيبي كونتي. والهموم الروسية – الأوروبية تتركز على ملفات الغاز وأسعار النفط، وعلى التوتر الذي تسببه المشكلة الأوكرانية، لا سيما بعد أن ضمَّت روسيا جزيرة القرم في العام 2014، ما أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية أوروبية عليها، ما زالت قائمة حتى اليوم.
والبارز في النشاط الذي حصل على هامش قمة مجموعة ال 20 أيضاً، هو الاجتماع الذي عُقد بين مجموعة «البريكس» التي تضمّ روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل. ولهذه المجموعة حجم كبير من حصة دول «العشرين» التي تحوز أكثر من 85% من الناتج الإجمالي العالمي.
لا يمكن التقليل من أهمية قمة بوينس آيرس على المستوى الدولي العام، لكن أهمية اللقاءات الجانبية التي حصلت على هامش القمة كادت تطغى على أعمال القمة بحد ذاتها.