لا تفتحوا الباب للغرباء
نور المحمود
«لا تفتحوا الباب للغرباء»، هكذا كان الأهل يوصون صغارهم كلما خرجوا من المنزل للعمل، أو لزيارة مريض أو تقديم واجب عزاء. كانت العبارة تلازمنا ونرددها كي لا نقع في الخطأ، و«الغريب» بنظرنا «بعبع» قد ينقض علينا في أي لحظة.
طبيعي أن ينتابنا هذا الإحساس وقد زرعوا فينا حكاية النعجة التي تترك صغارها في المنزل، ويقوم الذئب المحتال بتقليد صوتها كي تفتح له الباب، ثم ينقض عليها. لكن حكايات زمان الطفولية، لم تعد مقنعة لأطفال اليوم، ولا عبارة «لا تفتحوا الباب للغرباء» تجد لها مكاناً، طالما أن الغرباء يشاركوننا موائدنا وسهراتنا وتنقلاتنا وأخبارنا وتفاصيل يومياتنا.
الباب لم يعد خشبياً، ولا حديدياً، إنما افتراضياً وهو مفتوح على مدار الساعة. فبماذا توصي صغارك قبل أن تخرج من صفحاتهم الإلكترونية ومن غرف نومهم؟ «لا تقبلوا صداقة الغرباء»، فهل يستجيبون؟
أهل «السوشيال ميديا» ليسوا غرباء في عيون صغار يبحثون عن النجومية وأكبر عدد ممكن من «المتابعين» والمعجبين. كيف يحصلون على مئات ال «لايك» إذا فتحوا أبوابهم فقط للأهل والمعارف؟ كيف يثبتون أنهم محبوبون إذا لم يضعوا في رصيدهم جمهوراً كبيراً، جلّه من الغرباء، ويمكن إضافة الأهل أو عزلهم عنه كي يشعر الصغار بحرية التصرف؟
أي باب توصي صغارك اليوم ألا يفتحوه؟ وأي باب تغلقه أنت ولا تفتحه إلا بحذر شديد؟ من هم الغرباء ومن أين يأتون؟ مقاطع فيديو كثيرة تحذرك من فتح نافذة سيارتك لترشد شخصاً تاه في الطريق، أو النزول منها لمساعدته، لأنه قد يكون «الذئب المحتال» الذي يسرقك وربما يقتلك من أجل الحصول على محفظتك وسيارتك.. وفيديو ينذرك من الوثوق بمن يشير إليك بضرورة التوقف لأن العجل مضروب، فهو أيضاً قد يكون «الذئب المحتال» الذي يسرق سيارتك ويتركك على قارعة الطريق حياً أو مقتولاً!
لم تعد أبواب البيوت هي الحاجز الذي يصد الغرباء ويحمي أهل البيت منهم، ولم تعد «النخوة» مجانية وموجودة في كل مكان، ولا التعامل مع الآخرين بالنيّة الصافية والطيبة منتشراً كما كان عليه الحال «زمان». التوازن اليوم أصعب، فأنت منفتح ومقبل على العالم، تختلط وتتحدث وتحاور وتناقش، لكنك تنغلق على ذاتك هرباً أو خوفاً من فضول الغرباء والسرقات التي تأخذ أشكالاً متعددة، منها ما يطاله القانون، ومنها ما تدفع ثمنه غالياً، ولا يمكنك أن تثبت حقك فيه أمام أي قانون.
noorlmahmoud17@gmail.com