لماذا يختارون المملكة.. وماذا نستفيد في قطاع التعدين؟
لماذا يحرص الوزراء، وكبار المسؤولين الحكوميين، ورؤساء أكبر شركات التعدين، والخبراء من حول العالم، على المشاركة في كل نسخة من نسخ مؤتمر التعدين الدولي، وحضور الاجتماع الوزاري الذي يُعقد في إطاره؟، ويمكن أن يكون السؤال على هذا النحو: لماذا يختار كل هؤلاء المملكة ليناقشوا القضايا المتعلقة بقطاع التعدين والمعادن، وما يخص هذا القطاع من مستجدات وتطورات؛ خاصة ما يتعلق، من هذه المستجدات والتطورات، بمساعي العالم الحثيثة لتحول الطاقة والوصول إلى الحياد الصفري الذي يحتاج إلى المزيد من المعادن الاستراتيجية التي تدخل في صميم الصناعات المرتبطة بهذا التحول؟.
بداية الجواب على هذا السؤال المهم يأخذ أكثر من جانب، لكن قبل أن أتطرق إلى هذه الجوانب، أود أن أؤكد بأن هناك فعلاً اهتمام عالمي بالمشاركة في مؤتمر التعدين الدولي الذي يعقد في المملكة لما يتمتع به من شمولية وعمق وما يوفره من فرص لبحث أحد أهم ركائز دعم التنمية الاقتصادية عالمياً. وللتدليل على هذا الاهتمام لست بحاجة للعودة إلى ما حدث في النسختين السابقتين من المؤتمر، بل أكتفي بما تم إلى الآن ونحن على مشارف انعقاد النسخة الثالثة من الاجتماع الوزاري والمؤتمر في يناير القادم. لقد أكدت 67 دولة، منها 45 دولة ممثلة على مستوى الوزراء و16 دولة من أعضاء مجموعة العشرين، مشاركتها في الاجتماع الوزاري الدولي الثالث، بالإضافة إلى مشاركة 14 منظمة دولية رسمية، و 18 منظمة غير حكومية، و10 اتحادات دولية للأعمال. ومن بين رؤساء أكبر 10 شركات تعدين في العالم أكد 8 منهم مشاركتهم في جلسات المؤتمر، بينما سيحضر المؤتمر ويشارك في جلساته وفعالياته ما يزيد عن 15 ألف مشارك.
وإذا ما نظرنا إلى نوعية الحضور وإلى هذه الأرقام التي تعتبر قياسية وتسجل لأول مرة في تاريخ مؤتمرات التعدين حول العالم، يمكننا الحديث عن الجانب الأول في إجابة سؤال لماذا يختارون المملكة.؟ والذي يتعلق بكل تأكيد بما اكتسبته المملكة، في ظل رؤية 2030، من ثقل اقتصادي كبير، مدعوماً بمكانتها الدولية المعروفة، الأمر الذي يعكس قدرتها الهائلة على تنظيم وإدارة اجتماعات ومؤتمرات كبيرة وجادة ومنتجة بنجاح منقطع النظير ونالت على الدوام اعجاب ومشاركة صناع القرار على كل الأصعدة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. وما شهدناه في السنوات الأخيرة من نجاحات باهرة للقمم والاجتماعات والمؤتمرات الدولية والإقليمية، التي تعقد على أرض المملكة، يدل على أنها أصبحت قبلة لكل الراغبين في تحقيق التنمية والسلام والخير والرفاه للبشرية جمعاء. ومؤتمر التعدين الدولي، الذي عُقدت نسخته الأولى في يناير من عام 2022، يأتي في هذا السياق، الذي يوضح الثقة بقدرة المملكة على تنظيم المؤتمرات الدولية الضخمة، والخروج من هذه المؤتمرات بفوائد إيجابية تنعكس على تنمية وتقدم مختلف المجتمعات على المستويين الإقليمي والدولي.
أما الجانب الثاني فيتعلق بالعوامل الجغرافية والاقتصادية والجيولوجية المميزة التي تتمتع بها المملكة. ومن أبرز وأهم هذه العوامل أولاً انطلاق كل القطاعات التنموية والاقتصادية في المملكة من رؤية 2030 التي حددت مسارات واضحة وحاسمة لمستهدفات كل قطاع لتمكين الموارد المتميزة للمملكة. وهناك موقع المملكة الاستراتيجي الذي يربط بين ثلاث قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، والذي يعزز من قدرتها بأن تصبح مركزاً إقليميًا وعالميًا لمعالجة المعادن لا سيما معادن المستقبل والمعادن الخضراء، فمدينة نيوم، على سبيل المثال، أصبحت موطناً لأكبر مشروع في العالم للهيدروجين الأخضر الذي يدخل في إنتاج المعادن الخضراء. أيضاً لدينا في المملكة مصادر الطاقة المتجددة التنافسية. كما أن الطلب على المعادن في المملكة بأنواعها ينمو بشكل كبير بفضل المشاريع العملاقة التي يجري تنفيذها الآن. وفي ذات السياق، سياق العوامل الاقتصادية، هناك الاستراتيجية الصناعية وتجمعاتها الاثنا عشر والصناعات العسكرية، وما نقوم به من مبادرات لتطوير صناعة السيارات الكهربائية والمواد التي تدخل في صناعتها؛ والأهم من ذلك التزام الجميع بالتوجيهات المباركة للقيادة الرشيدة في المملكة بزيادة مساهمة المحتوى المحلي في جميع أعمال، ومشاريع، واستثمارات الرؤية، والمملكة.
ومن العوامل الرئيسة الأخرى، التي توفر للمملكة ميزة تنافسية في جميع القطاعات ومنها قطاع المعادن، تأتي البنى التحتية المتميزة من طرق وموانئ وشبكة قطارات ونقل وخدمات الإنترنت وغيرها من المشاريع التي أنشأتها المملكة، والتي تعد من أفضل البنى التحتية في المنطقة والعالم. ومن ناحية أخرى فإن مما يُكسب المملكة حضورها وثقلها الاقتصادي، قوتها الاستثمارية، فنحن لدينا، في الداخل، استثمارات كبيرة لإدارة الثروة المعدنية واستكشاف المعادن الاستراتيجية، من بينها استثمارات ضخمة في عمليات المسح الجيولوجي الإقليمي واسع النطاق، إضافة إلى استثمارات خارجية قوية، ويعد أبرز مثال عليها في مجال التعدين، قيام شركة معادن، وصندوق الاستثمارات العامة، في نسخة المؤتمر الثانية في يناير 2023، بالإعلان عن تأسيس شركة منارة للمعادن التي تستثمر في أصول التعدين على مستوى العالم.
وهناك عامل آخر مهم ومؤثر وهو المتعلق بالكوادر البشرية الوطنية المؤهلة التي تتولى الآن عملية تطوير قطاع التعدين في المملكة، وما اتخذ مؤخراً من خطوات لتأهيل مزيد من الكوادر السعودية في هذا المجال وتهيئة جيل كامل لإدارة وتشغيل قطاع التعدين. ومن أهم الخطوات، التي اتخذت مؤخراً على هذا الصعيد، إطلاق برنامج علوم وهندسة التعدين بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، الذي يعد خطوة محورية في إطار جهود تعزيز القدرات البشرية في قطاع التعدين، وتلبية احتياجات سوق العمل المتنامية في هذا القطاع.
ونأتي أخيراً إلى الجانب الثالث في إجابة ذلك السؤال عن لماذا يختارون المملكة من أجل نقاش مسائل وقضايا التعدين والمعادن والوصول إلى نتائج وحلول بشأنها. هذا الجانب يتعلق بما سبق وينتج عنه، فالمملكة التي تنعم، في ظل توجيهات وارادة القيادة الملهمة ورؤيتها العظيمة، بتمكين كافة القدرات الفائقة لتنظيم وإدارة أحداث دولية كبرى تليق بمكانة المملكة العالمية، وتسخير هذه المؤتمرات للتركيز على خدمة البشرية وتحقيق رفاهيتها، ولديها كل هذه العوامل الجغرافية والاقتصادية والجيولوجية المميزة، مؤهلة وبقوة للمساهمة في أن تكون شريكا مؤثراً في قيادة توفير المعادن للعالم بشكل مستدام لبلوغ الحياد الصفري، والمساهمة بتمكين منطقة التعدين الكبرى، التي تمتد من أفريقيا إلى غرب ووسط آسيا، من الاستفادة من الطلب المتزايد على المعادن لزيادة وتيرة نموها وتحقيق رفاهية شعوبها واستقرارها. وكون المملكة تتوسط هذه المنطقة الكبرى وانطلاقاً من مبادرتها فهي الدولة الأجدر بتدشين منصة دولية تجمع، على أعلى المستويات، المعنيين من العالم ومن المنطقة للنقاش وتبادل الأفكار والآراء حول مستقبل صناعة المعادن وتلبية احتياجات العالم المتزايدة من هذه المعادن، لا سيما المعادن الاستراتيجية التي تدخل مباشرة في تحول الطاقة والصناعات المرتبطة بهذا التحول، وهو ما سيحقق مستهدفات العالم في الانبعاثات المناخية، والعمل على المبادرات اللازمة لتحقيق ذلك.
ولعلي، في هذا السياق، أُذكر بما قلته سابقاً من أن العالم استغرق أكثر من 200 عام لبناء أنظمة توليد الطاقة الحالية، وهو بحاجة الآن إلى إنشاء بنية جديدة في غضون 20 عامًا فقط مما يشكل تحديا غير مسبوق، فالبيانات تشير إلى أن الاحتياجات المعدنية لتقنيات الطاقة النظيفة ستحتاج إلى زيادة بمقدار أربعة أضعاف بحلول عام 2040 لإبقاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية أقل من نحو درجتين مئويتين. كما أن العالم سوف يحتاج إلى حوالي 50 منجمًا جديدًا لليثيوم، و60 منجمًا جديدًا للنيكل، و17 منجمًا جديدًا للكوبالت؛ وذلك أضعاف ما هو متوفر ومكتشف وما يمكن اكتشافه حاليا.
هذا المستقبل، بهذه الاحتياجات المعدنية المتزايدة، يعرف العالم، ويعرف صناع القرار الاقتصادي والتنموي فيه، أن المملكة ستساهم فيه بدور كبير ومهم يماثل الدور الذي لعبته في ضمان أمن الطاقة العالمي. ولذلك يجتمعون في عاصمتها الرياض لبلورة مستقبل المعادن؛ لأنهم يثقون بها وبقيادتها الحكيمة، ويسجلون لها تاريخياً الكثير من المواقف الدولية التي تبعث على هذه الثقة وتمنحها هذه الجدارة. وبالنسبة لنا فإن هذا الإقبال الكبير والنوعي على مؤتمر التعدين الدولي يحقق للمملكة عدداً من الفوائد من أهمها:
– – جذب مزيد من الاستثمارات الدولية المباشرة إلى قطاع صناعة المعادن في المملكة، تمثل، بمجملها، ممكنا لتحقيق التحول الصناعي في المملكة.
– تمكين وتعزيز استثمارات المملكة والقطاع الخاص السعودي في قطاع التعدين العالمي.
– يفتح المؤتمر كل سنة، بحكم طبيعة نقاشاته وفعالياته، آفاقاً جديدة لتطوير الصناعات المعدنية في المملكة وتعظيم القيمة المضافة من المعادن التي تدخل في هذه الصناعات.
– يرسخ المؤتمر تحول المملكة إلى مركز إقليمي وعالمي للمعادن والخدمات التعدينية، الأمر الذي يتيح، على سبيل المثال، مزيداً من فرص الاستثمار في الخدمات التعدينية وخدمات صناعات التعدين وجذب المراكز الإقليمية للشركات العالمية العاملة في التعدين والمعادن والخدمات المرتبطة بها.
– من المنتظر أن توفر منطقة التعدين الكبرى ما يقدر بنحو 3 مليارات طن من المعادن الاستراتيجية. والتركيز على هذه المنطقة في الاجتماع الوزاري والمؤتمر، يأخذ، بالنسبة للمملكة، بعدًا اقتصادياً واستثماريًا مستقبلياً، حيث تعزز المملكة ريادتها ومشاركتها لهذا القطاع الحيوي وتسهم في تحقيق قيمة محلية مضافة من معالجة المعادن وتوفير المعادن التي تدخل في تحقيق النمو الصناعي.
– حضور قيادات وخبراء وتقنيين قطاع التعدين في العالم يتيح الفرصة لبناء مزيد من المعرفة في هذا المجال وتبادل الخبرات بما ينعكس على نمو وتطور قطاع التعدين في المملكة.