لماذا يهاجرون؟

خيري منصور
مِنْ بَينْ الأسباب العديدة التي تداولتها مراكز الأبحاث ذات التوجه الليبرالي في الغرب التي أدت إلى تفكيك الاتحاد السوفييتي وانهياره ما سمي تغليب الولاء للحزب على الكفاءة، وعدم تعيين الرجل المناسب في الموقع المناسب؛ لكن تلك الظاهرة لم تكن حكراً على الاتحاد السوفييتي، وهناك نظم أخرى منها ما هو شمولي أو شبه شمولي سارت على الدرب ذاته، وانتهت إلى النهاية ذاتها.
وفي عالمنا العربي أنتجت هذه الظاهرة ما سمي هجرة الأدمغة؛ بحيث تعرض الوطن العربي في أشد الظروف حرجاً وحاجة إلى العقول لنزيف تجسد في الأعداد المتزايدة من العلماء المهاجرين والذين اندمجوا في مؤسسات وأكاديميات الغرب، ومنهم من حقق إنجازات استحق بفضلها أرقى الجوائز وفي مقدمتها جائزة نوبل.
لكن ما كان يعقد من ندوات حول هجرة الأدمغة غالباً ما كان المشاركون في تلك الفعاليات الموسمية يتجنبون ذكر أسباب حقيقية للهجرة.
وذلك انسجاماً مع العديد من الظواهر المسكوت عنها، ومنها على سبيل المثال تهميش الكفاءات لصالح الولاءات، سواء كانت حزبية بالمعنى الضيق أو أيديولوجية، خصوصاً في نظم تشكو من نقص في شرعيتها؛ لأنها وصلت إلى سدة الحكم على دبابة.
وقد لا تكون هناك إحصاءات دقيقة عن عدد العلماء العرب المهاجرين إلى مختلف بقاع الأرض؛ وذلك لغياب أية برامج أو استراتيجيات تستهدف إعادتهم إلى بلدانهم الأولى، والأجدر بهم خصوصاً في فترات التحول وما تتطلبه التنمية على اختلاف مجالاتها من مفاعيل.
أما الجانب الآخر المسكوت عنه أيضاً في هذا السياق فهو ما حمله المهاجرون إلى منافيهم الاختيارية من فيروسات الطائفة والعرق والحزب، بحيث لم يتشكل من مجموعهم «لوبيات» ذات تأثير في النطاقين الأمريكي والأوروبي بالتحديد!
وما حصده الاتحاد السوفييتي من نتائج كارثية لتلك الظاهرة تكرر في بعض البلدان الأخرى من آسيا وإفريقيا، فأعيد إنتاج التخلف؛ لكن بمشاهد وصور جديدة ذات مظاهر شكلية؛ لأن المعادل الموضوعي لتغليب الولاء على الكفاءة هو تغليب شبه الحداثة التي تتلخص في المحاكاة السطحية بمعزل عن الجوهر والمحتوى.