لوغرتمات سياسية
خيري منصور
غالباً ما يُستَخدم مصطلح اللوغرتمات للتعبير عن ظواهر غامضة أو مواقف ملتبسة، وذلك على سبيل السخرية.
ورغم تعدد التعريفات للسياسة بدءاً من كونها علم تطوير المجتمعات والارتقاء بها وإشراكها في صناعة مصيرها حتى المفهوم الشائع عن كونها دسائس ومؤامرات ومكائد، إلا أن هناك خطاباً سياسياً في أيامنا يستحق أن يوصف بأنه لوغرتمات أو لعبة كلمات متقاطعة، وتمارس هذه اللوغرتمات أطراف تريد أن تكون مع الله والقيصر في لحظة واحدة ، أو مع القاتل والقتيل والسارق والمسروق. وبالطبع ما من أحد بمقدوره أن يحقق ذلك إلا من خلال الخديعة والتلاعب بالمفردات، وعمر مثل هذه الأساليب قصير، لأن البيدر في النهاية يفضح محصول الحقل!
فقهاء هذه اللوغرتمات تجاوزوا ميكافيلي بمراحل، وكذلك برغمانوس وكل الفلسفات الذرائعية التي لا تقيم وزناً للوسائل وتبررها في سبيل الغايات. وقد يقول البعض إن السياسة منذ مولدها في التاريخ حتى ما انتهت إليه من تعقيدات ولوغرتمات في عصرنا لا تعترف بالبعد الأخلاقي للتاريخ، وأن من يتورط بها عليه أن يجازف كما قال سارتر في مسرحية «الأيدي القذرة» بأن يتحمل أوزار ما ينتج عن ممارساته.
وإذا صح ما قاله أرسطو عن الإنسان بوصفه حيواناً سياسياً فإن هذا التعريف يوسع مفهوم السياسة، ويفتح له آفاقاً بلا نهاية ما دام هناك سياسة للتعليم وسياسة للصحة، وسياسة للسياحة وأخيراً سياسة لجعل الحياة ممكنة وآمنة على هذا الكوكب!
والسياسة لا مجال فيها لإغلاق الأبواب تماماً أو فتحها على مصاريعها لأنها بسبب مرونتها وقدرتها على التأقلم تترك الأبواب مواربة. وهذا ما يفسر وجود قنوات اتصال سرية حتى بين الدول المتصارعة، لأن الراديكالية التي تظهر في تصريحات أو وسائل إعلام أو تلاسن دبلوماسي ساخن ليست تعبيراً دقيقاً عما يدور وراء الكواليس.