ليبيا والخلافات الدولية
للمرة الثانية في نحو شهر، يتدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً في الأزمة الليبية، فبعد جمعه رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج، وقائد الجيش الوطني خليفة حفتر في ضاحية باريسية في 25 يوليو الماضي، أعلن عن استضافة قمة أوروبية إفريقية في باريس حول ليبيا بحضور السراج.
القمة الجديدة، التي يفترض أن يحضرها زعماء إيطاليا وإسبانيا وألمانيا والنيجر وتشاد، ستركز على سبل مواجهة خطر الهجرة غير الشرعية، وبحث إمكانية إنهاء الأزمة في ليبيا، عبر الدفع بالفرقاء إلى الاتفاق على خطة تتجاوز الوضع الراهن. وتمثل هذه الخطة المأمولة تحدياً كبيراً لم تستطع أي جهة بلورته وفرضه، في ظل ما يتضح من تعقيدات جديدة تنضاف إلى ما سبق. وفي ظل الخلافات القائمة بين حكومة السراج في طرابلس وسلطات الشرق الليبي، هناك خلافات وصراعات لا تقل ضراوة تدور بين قوى خارجية، وفي أوروبا بالذات. ويلقى الاهتمام الفرنسي بالملف الليبي منافسة إيطالية تتصاعد بين الحين والآخر، من أجل الحفاظ على مصالحها التاريخية في مستعمرتها السابقة. وبينما كان الخلاف الفرنسي الإيطالي بعيداً عن الخطاب الرسمي والإعلامي، أصبح الآن مشغلاً أساسياً للسياسة الخارجية في البلدين. ومنذ أن اعترف رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سلفيو برلسكوني أن فرنسا في عهد نيكولا ساركوزي خدعته عام 2011 ب «نصرة» الشعب الليبي ضد معمر القذافي، أصبحت شكوك الإيطاليين في السياسة الفرنسية تتزايد، فقد تبين أن باريس تعمل على أن تصنع لنفسها قوة فاعلة في ليبيا أكثر من أي طرف دولي آخر. وبالفعل حاولت باريس الاستحواذ على مصالح روما، وهو ما خلق أزمة داخل الاتحاد الأوروبي، أدت إلى التباين إزاء عدد من القضايا.
الخلاف الفرنسي الإيطالي ليس الوحيد في ليبيا، ويبدو أن بريطانيا تلعب بقوة أيضاً على الساحة، فقد زار وزير خارجيتها بوريس جونسون طرابلس وطبرق في مناسبتين خلال أقل من ثلاثة أشهر، ولا يبدو هذا التحرك منسقاً مع العواصم الأوروبية الأخرى، وخصوصاً باريس وروما. وضمن هذه المنافسة لا يمكن التغافل عن الحضور الروسي الذي بدأ يزاحم بشدة العواصم الغربية القلقة بشدة من هذا الطارئ، وهو ما يؤثر سلباً في الوضع الليبي، ويزيد في تعقيده مع استبعاد التوصل إلى حل قريب للأزمة التي تقترب من دخول عامها السابع.
يؤكد السياق الحالي أن غياب الانفراج في ليبيا ليس بسبب الخلافات الداخلية والتناحر السياسي والعسكري المتعدد، بل تكاد تنحصر العقبة الكبرى في عدم وحدة الموقف الدولي، أوروبياً وإقليمياً، فقد تبين أن الدول التي ترسل وزراءها، أو تستضيف لقاءات وقمماً تبحث عن مصالحها أكثر من حرصها على مصلحة الشعب الليبي. وطالما تستمر هذه الخلافات الدولية سيستمر التأزم بكل ما يحمله من تهديدات؛ فإيطاليا وفرنسا وبريطانيا تتفق في أن بعضاً من أهدافها يتعلق بوقف الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب، ولكن خلافها يتمثل في أن لكل عاصمة رؤية ومقاربة، ولم تستطع هذه الدول الكبرى أن تصوغ عملاً موحداً، وما يتأكد بعد كل تطور أن ما تعلنه الدول الأوروبية لا يعكس حقيقة نواياها، فلو كانت الإرادة صادقة، والغاية نبيلة لانتهت الأزمة الليبية في وقت أقل مما استغرقته بكثير.
مفتاح شعيب
chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article