ليس ذنب الكتاب
شيماء المرزوقي
البعض يقول إنه حاول القراءة وقام باقتناء أحد الكتب، ولكنه لم يتمكن من إتمام سوى بعض الصفحات الأولى ثم توقف عن إكماله، وآخر يقول: قمت بشراء كتاب ولم أفتح صفحة واحدة منه، وثالث توقف في منتصف الكتاب، ويقول: لقد ضغطت على نفسي كثيراً من أجل أن أنهي قراءة الكتاب كاملاً، ولكنني رغم الحماس والإصرار توقفت.
وهناك نماذج عديدة ومتنوعة نسمعها بين وقت وآخر، تتحدث عن تجربتها القرائية مع الكتب. وغني عن القول إن هناك من يصف القراءة بأنها فعل ممل وأنها تبعث السأم، وهناك من لا يفهم وظيفة ومهمة القراءة ولا يدرك أوعيتها وأدواتها المتنوعة، ويعتقد أنها تنحصر فقط في دفتي الكتاب وحسب؛ لذا تجده يقول إن الزمن تطور وتجاوز الكتب، غافلاً عن أن القراءة نفسها تطورت، وما تحمله الكتب نفسه تطور هو الآخر. ومعظمنا يعرف أن تصميم وإخراج الكتب بات متنوعاً، ويمكن تصفحها وقراءتها حتى من على هواتفنا الذكية.
إذن، الكتاب أحد أوعية المعرفة المتعددة، ففي هذا العصر تتنوع الأوعية، ويمكن لكل واحد منا اختيار ما يناسبه ويتماشى مع اهتماماته وميوله، وعلى الرغم من هذا، فإن اختيار موضوع القراءة يبقى هاجساً حقيقياً، بل العقبة الحقيقية في مجال القراءة. قد نصدم عند القراءة بكتاب ذي لغة قوية وأفكار عميقة، أو كتاب يتحدث عن تخصص بعيد تماماً عن مجال دراساتنا أو ميولنا، فيحدث تبعاً لذلك، صدمة تبعدنا عن القراءة، لكن على الجميع معرفة أن كل شخصية لها نمط وطريقة تفكير وميول وتجارب. لذا من الأهمية أن يتم اقتناء الكتاب الذي يتقاطع معك، ويمس هذه الجوانب ويُعلي منها، ويدفع بها نحو الأمام، وكلما قرأنا أكثر كانت عقولنا أعمق في فرز المعلومات وتوظيفها لفائدتنا وخدمتنا.
القراءة قاسية في البداية وقد تعاني الصد، وقد تنسحب، وقد تُلقي بالكتاب جانباً، ولكن اعلم أن الذي حدث هو نتيجة لعدم اختيارك الصحيح للكتاب الذي يناسبك، والذي تحتاجه فعلاً، ويتماشى مع ميولك ورغباتك وتطلعاتك، فإذا كان الكتاب الذي بين أيدينا منفصلاً عنا روحياً وعاطفياً ومعرفياً، وبعيداً عن الاهتمامات الذاتية، فإنه من البديهي أن العيب ليس في الكتاب وإنما في اختيارك، وأن عدم إجادتك لمهارة اختيار الكتاب المناسب لك، هو السبب.
وتبقى القراءة ذات مجال رحب وواسع، سواء في الكتب الورقية أو الإلكترونية أو نحوها، ولكن الأساس واحد وهو حسن الاختيار.
Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com