مقالات عامة

ليست أيقونة!

خيري منصور

ثقافة الديمقراطية وأدبياتها منذ أول تجربة عاشها اليونانيون القدماء غالباً ما تتعرض لاختزالات وتسطيح إعلامي يُوشك أن يكون إعلانياً. وإذا كان هناك في فرنسا من قال بعد ثورة 1789، كم من الجرائم ارتكبت باسمك أيتها الحرية؟ فإن بمقدور غير الفرنسي- أيضاً- أن يتساءل عن عدد الجرائم، التي اقترفت باسم الديمقراطية؛ بعد أن أعيد تعريفها، وبالتالي تدجينها وتحويلها إلى مجرد حجر كريم، أو أيقونة.
والديمقراطية لا تقبل الترجمة، وبالتالي إعادة الإنتاج ليتم التلويح بها كفزاعة عندما يتطلب الأمر. إن لها ثقافة تمتد أكثر من ألفي عام. وما تزال تحمل اسمها الإغريقي الأول والبكر؛ وهو حكم الشعب، وحين تحشر الديمقراطية وثقافتها في قالب سياسي فقط، فإن هذا يحرمها من تجليات وأبعاد اجتماعية. وهناك أيضاً من يعزلون الديمقراطية والليبرالية وحتى الماركسية عن أنماط الإنتاج السائدة في بلد ما، وكأن هناك وصفة أو نموذجاً جاهزاً للتصدير، ومعفى من ثمن التجربة والمحاولات التي صاحبتها أو مهدت لها!
نذكر أن ثقافة الاغتراب واستلاب الوعي في بعض دول العالم الثالث ومنها دول عربية حاولت استنساخ تجارب سياسية واقتصادية بالغة الخصوصية، وهناك من استخدموا مصطلحات مثل «البروليتاريا» في دول لا يوجد فيها بروليتاري واحد وفق التعريف الدقيق والتاريخي لهذا المصطلح!
ويخطئ من يتصور أن الديمقراطية تقبل ما يمكن أن يلائم سواها من حرق المراحل والقفز إلى الأمام، كما أنها أيضاً في أكثر الدول ادعاء بممارستها أفرزت عبر صناديق الانتخابات طغاة ومستبدين، ومنهم للمثال فقط سادة الحرب العالمية الثانية. لهذا قال تشرشل عبارته الشهيرة عن الديمقراطية باعتبارها «أهون الشرور»، وسبقه بزمن طويل جان جاك روسو حين كتب «العقد الاجتماعي»، وتحدث عن اغتراب الإنسان عن نفسه وصوته معاً بضعة أعوام، يكون خلالها بلا حول ولا قوة!
الديمقراطية ليست قبعة أو طربوشاً، وليست أيقونة أو حجراً كريماً؛ بل هي ثقافة مبثوثة في النسيج الاجتماعي كله، ويبدأ التأهيل بها من روضة الأطفال حتى النهاية!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى