ماذا نفعل الآن؟
تحرير: دنيس جونسون وفاليري ميريانز
ترجمة وعرض: نضال إبراهيم
مع تسلمه الرئاسة الأمريكية، أثار دونالد ترامب جدلاً كبيراً في الأوساط الأمريكية والعالمية بقراراته التي عززت خطاب الكراهية والخوف، وخرجت مسيرات مناهضة له في كل العالم، ولا تزال الاحتجاجات مستمرة في وجه أي قرار إشكالي يتخذه.
في العمل الذي بين يدينا يقف مجموعة من السياسيين والكتّاب والناشطين البارزين بالمرصاد لهذه السياسات التي تجعل من أمريكا منقسمة، ويحاولون تسليط الضوء على الأخطاء التي من المحتمل أن تقع فيها الإدارة الأمريكية الجديدة، وتأثيراتها الكبيرة على الداخل الأمريكي والعالم.
يأتي هذا الكتاب الصادر حديثاً عن دار «ميلفيل هاوس» في 224 صفحة من القطع المتوسط بعنوان «ماذا نفعل الآن: الدفاع عن قيمك في أمريكا ترامب»، بمشاركة سبعة وعشرين من الشخصيات السياسية والصحفية والمجتمعية البارزة التي توضح الإشكاليات التي خلقها دونالد ترامب في المجتمع الأمريكي، حيث صعّد اللهجة الشعبوية واستخدم خطاب الكراهية أثناء حملته الانتخابية، واستطاع بذلك إقناع أنصاره من الشعب الأمريكي لإيصاله إلى البيت الأبيض.
وبعد تنصيبه رئيساً يبدو أنه ماض إلى تنفيذ العديد من الوعود التي قطعها لهم، من دون اكتراث بالتداعيات الدولية التي يخلقها، حتى أن العديد من الدول الكبرى في العالم عبرت عن استيائها من مواقف ترامب التي حملت طابعاً ينافي القيم الأمريكية التي تدعو إلى الحرية والديمقرطية وتعزيز حقوق الإنسان.
يشير المحرران إلى أن انتخاب دونالد ترامب ليكون الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية شكلت صدمة حقيقية في أوساط التقدميين، وأصابهم الأمر بالفزع في جميع أنحاء البلاد. ويأتي هذا الكتاب ليضم آراء وإسهامات قوية ومهمة في أول أيام إدارة ترامب، ويجسد هؤلاء مجموعة من الاقتصاديين وخبراء البيئة والناشطين والفنانين والسياسيين والروائيين الذين يقدمون بشكل تحليلي وصول ترامب إلى الرئاسة، ويناقشون كيفية كبح طموحاته التي تشجع على تقسيم المجتمع الأمريكي، بناء على لغة الكراهية والتمييز.
وقسم المحرران العمل إلى أحد عشر قسماً كالتالي: 1) وضع أجندة ليبرالية جديدة. 2) عدالة الكراهية. 3) الهجرة. 4) حقوق النساء. 5) الحريات المدنية. 6) تغير المناخ. 7) الحرية الدينية. 8) الاقتصاد. 9) حقوق الإنسان 10) الإعلام. 11) إعادة صياغة الرسالة.
والمساهمون في هذا الكتاب هم: السياسي الأمريكي بيرني ساندرز، الذي كان مرشحاً للرئاسة الأمريكية من قبل الحزب الديمقراطي، كما أنه يعتبر السيناتور المستقل الأطول خدمة في تاريخ مجلس الشيوخ الأمريكي، وغلوريا ستاينم زعيم نسوية، وإليزابيث وارن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، وبول كروغمان البروفيسور الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد في 2008، وروبرت ب. رايخ وزير العمل السابق في الولايات المتحدة، والروائي ديف إيغرز، واللغوي المعرفي جورج لاكوف، والروائي جورج سوندرز، وأنتوني روميرو رئيس اتحاد الحريات المدنية، وكورنيل ويليام بروكس رئيس «الجمعية الوطنية لتقدم الملونين»، وكريستينا خيمينيز رئيس منظمة المهاجرين الشباب «متحدون نحلم»، وكاترينا فاندن هيوفيل ناشرة ورئيسة تحرير مجلة «ذا نيشن» الأسبوعية، وليندا صرصور رئيسة الجمعية العربية- الأمريكية، ومايكل برون رئيس نادي سييرا البيئي، والناشط البيئي بيل مكيبين، وإلهان عمر سياسية أمريكية وأول مسلمة في مجلس تشريعي بالولايات المتحدة من أصل صومالي، وآلان ليختمن بروفيسور ومؤرخ أمريكي، وبريتاني باكنيت رئيس «حملة زيرز» لإصلاح سياسات الشرطة الأمريكية، وإليس هوغ رئيس منظمة «نارال» التي تقف في وجه الإجهاض في الولايات المتحدة، وإم. دوف كينت، رئيس «اليهود من أجل العدالة العرقية والاقتصادية»، ومارا كيسلينغ رئيس «المركز الوطني للمساواة في قضايا المتحولين جنسياً»، والناشطة الحقوقية ريا كاري، والحاخام شارون كلينبوم، وتريفور تيم رئيس مؤسسة الحرية الصحفية، وأنطونيو ديفيد كول المدير القانوني الوطني لاتحاد الحريات المدنية الأمريكية، والناشط الفني ناتو طومسون، وجون ماك آرثر، ناشر مجلة «هاربر».
مناهضة السياسات الترامبية
بداية مع السياسي الأمريكي بيرني ساندرز، الذي يركز في مقاله على ما كان يركز عليه أثناء حملته الانتخابية وهو الحاجة الملحة إلى الإصلاح المالي والاقتصادي، إذ يجد أن جزءاً كبيراً من جاذبية ترامب على الصعيد الشعبي جاءت من إصراره أن «من في داخل واشنطن» قد ضخموا حساباتهم البنكية على حساب «الشعب».
ويجد ساندرز أن ما يتفوه به ترامب يبقى على الصعيد الدعائي، فلا يمكنه القيام بأي تغيير كبير، ولكن ساندرز يصر على الاستمرار في السعي إلى الإصلاح التشريعي لمعالجة اللامساواة.
أما إليزابيث وارن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي فتقول في مقالها إن ترامب وصل إلى الرئاسة من خلال خطابه الشعبوي، حيث هاجم الملايين من الأمريكيين، وأدلى بتصريحات قلل فيها من شأن القيم الأساسية للديمقراطية الأمريكية وتقول إنه فاز بالرئاسة ولكن الأطفال الأمريكيين المسلمين واللاتينيين قلقون مما سيحدث لعائلاتهم، والقضايا العالقة على صعيد حقوق الإنسان يمكن أن تعود إلى مستوياتها الأولى، والنساء قلقات، وعبرن عن قلقهن وخوفهن من خلال مسيرة ضخمة في أرجاء الولايات المتحدة والعديد من العواصم العالمية، حيث أكدن لترامب أن كفاحهن مستمر ضد سياساته المهينة، كما يشعر الكثير منهن بالقلق الكبير فيما يتعلق بالحصول على الخدمات الصحية الأساسية.
وتقول إن الملايين من الأمريكيين متخوفون من سياسات ترامب التي يمكن أن تؤثر في أهم مبادئ الديمقراطية لديهم.
وتشير إلى أنه أكد في خطاب التنصيب أنه رئيس لكل الأمريكيين، وعلى من يؤدي هذا القسم ألا يفرق بين الأمريكيين، ولا يكترث بأصولهم وألوانهم وميولهم.
وتقول إذا لم يكن ترامب جديراً بالقسم الذي أداه فإنه سيجد الملايين في أمريكا والعالم يناهضون سياسات التعصب لإدارته. وتؤكد: «سواء جلس دونالد ترامب في برج زجاجي أو في البيت الأبيض، لن نتنازل قيد أنملة عن حقوقنا وقيمنا، لا الآن ولا في أي وقت آخر».
كما تشير من جانب آخر إلى أن الكثيرين صوتوا لترامب ليس لأجل الكراهية والتعصب، بل وجدوا فيه أملاً في تغيير سياسات البلاد، التي خلقت حالة من الغضب والاستياء العام على صعيد الأجور والصحة والرشى والفساد السياسي على أعلى مستوى، وترى أن مطلب الشعب الأمريكي الرئيسي هو ضرورة أن تتغير واشنطن في سياساتها الداخلية والخارجية.
العالم يتجه نحو الجحيم
وتصر الزعيمة النسوية غلوريا ستاينم في مقالها بعنوان «أهلاً بالمقاومة» على أن المرشحة الديمقراطية كانت الأفضل لأمريكا، وترى أن دونالد ترامب ليس كما قيل عنه بأنه «متنمّر» فقط، بل تصفه بأنه «هتلر جديد» في عيون الملايين من الأمريكيين.
ويشير البروفيسور بول كروغمان الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد في 2008، والذي يكتب بشكل مستمر مع صحيفة «نيويورك تايمر» الأمريكية عن العديد من القضايا في الساحة الأمريكية والعالمية، إلى أنه تبين لهم في اليسار، ويصنف نفسه من ضمنهم، أنهم لا يملكون أدنى فكرة عما يعملونه لإقناع الناخبين أثناء الانتخابات، موضحاً أن الفشل في فهم أن التواصل معهم لم يكن المشكلة، بل إن الرسالة نفسها، حيث الرسالة التي وجهها ترامب إلى أنصاره كانت تخاطب جانب الخوف لديهم، فكان التعصب والجهل يقودهم إلى الدفاع عنه والتصويت له في المعركة الانتخابية وإيصاله للبيت الأبيض.
ويقول إن السياسات الترامبية لن تساعد الناس الذين صوتوا لدونالد ترامب، ويتوقع أن ينتهي الأمر بأنصاره إلى الأسوأ. ولكن لا يمكن أن يتكشف هذا الأمر إلا بشكل تدريجي كما يتوقع. ويقول: «إلى أين يقودنا هذا الأمر؟ ماذا علينا أن نفعل كمواطنين مرعوبين وقلقين؟».
ويرى كروغمان أن رد الفعل الطبيعي للأمريكيين، بعد تسلم ترامب الرئاسة، هو إدارة ظهورهم للسياسة، والتسليم بأن العالم يتجه نحو الجحيم والفوضى. وأكد كلامه هذا في مقال حديث له في «نيويورك تايمز» يتحدث فيه عن «تهديد ترامب» بسبب القرارات غير المدروسة له في أول أيامه، ويقول في نهاية مقاله إذا كان لديك موظف في عملك الخاص لا يقوم بمسؤولياته بشكل مناسب، فلا شك أنك ستوقفه عن العمل، فكيف لشخص على رأس أقوى جيش في العالم، ولا يقوم بمسؤولياته، داعياً بذلك الشعب الأمريكي إلى الاحتجاج في وجه قرارات ترامب التي تضرب صميم القيم الديمقراطية في بلد لطالما تغنى بأنه أرض الحرية والديقراطية.
الحريات المدنية
في الفصل السادس عن «الحريات المدنية»، نقرأ مقالاً بعنوان «من سيدافع عن الدستور في وجه الرئيس ترامب» يشير فيه أنطوني د. روميرو مدير اتحاد الحريات المدنية الأمريكية، إلى أن السياسات المقترحة لدونالد ترامب، إذا ما نفذت كلها، يمكن أن تؤدي إلى أزمة دستورية، لأن إدارة ترامب ستنتهك التعديل الأول، الرابع، والخامس، والثامن من الدستور، إذا حاولت تنفيذ خططه المثيرة للجدل.
وفيما يتعلق بسياسة الهجرة، يقول: «ببساطة ليس هناك طريقة لإدارة ترامب تمكّنهم من ترحيل أكثر من 11 مليون شخص في غضون سنتين من توليه منصبه. لتحقيق هذا الإنجاز، فإن آلة ترحيل ترامب عليها أن تعتقل 15 ألف شخص يومياً بتهمة الهجرة».
أما في مجال سياسة مكافحة الإرهاب، يرى أن ترامب يريد أن يفعل الكثير إزاءها بشكل غير دستوري، إذ إنه بسبب فئة قليلة من المتطرفين، يعتزم وضع مراقبة على المجتمعات الإسلامية ودور عبادتهم، ويجد أنه بهذا العمل، تقدم إدارة ترامب على انتهاك التعديل الأول للدستور فيما يتعلق بممارسة المسلمين الأمريكيين دينهم بحرية دون خوف أو ترهيب.
ويقول روميرو: «لمدة 96 عاماً، لم يعارض ولم يؤيد اتحاد الحريات المدنية أي مرشح لمنصب الرئاسة الأمريكية. ولن نبدأ مع دونالد ترامب. لكن في مواجهة مثل جدول أعمال بهذا الشكل، ستكون مهمتنا حشد كل الحجج القانونية لعرقلة أي مقترح ينتهك الحريات المدنية التي يكفلها الدستور في الولايات المتحدة».
الخلل في الإعلام الأمريكي
شن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هجوماً على وسائل الإعلام بسبب الصور التي نشرت للجماهير أثناء مراسم تنصيبه ووصفها بأنها «مضللة»، حيث تبين أن عدد الذين خرجوا لمناهضته، والدفاع عن حقوقهم، خاصة من النساء كان أكبر من المحتفلين بتنصيبه، ووصل به الأمر إلى وصف الإعلاميين بأنهم أخدع الناس على الأرض.
لكن على الجانب الآخر، نقرأ في الفصل العاشر من هذا العمل مقالات عن الإعلام في فترة انتخابات ترامب وصعوده إلى الرئاسة، ومنهم مقال لكاترينا فاندن هيوفيل ناشرة ورئيسة تحرير مجلة «ذا نيشن» الأسبوعية التي تقول في مقالها بعنوان «سوء الممارسة الإعلامية في 2016», إن لكل حملة رئاسية قضية واضحة، ففي معظم سنوات الانتخابات السابقة، الجواب على هذا السؤال بسيط نسبياً. في عام 2008 و 2012، كان الاقتصاد. في عام 2004، كان الأمن القومي والحرب على العراق. ولكن في 2016، بدا أقل وضوحاً، لأن القضايا الأكثر إلحاحاً التي تواجه الشعب الأمريكي قد طغت عليها عناوين فاحشة، وفضائح وهمية، وأخبار مزيفة، وتغطية مخزية لسيرك رجل واحد يدعى دونالد ترامب.
وتؤكد أن وسائل الإعلام لعبت دوراً سلبياً في تضخيم صورة ترامب، ورسخت قناعة لدى مناصريه بأنه المخلص لهم من الإرهاب والإرهابيين، وتقف عند الخلل الإعلامي الكبير في الولايات المتحدة، موحية أن «الحقيقة أولاً» لم تعد شعاراً للعديد من الوسائل الإعلامية الأمريكية، بسبب الرشى وشراء الذمم.