مجتمع أون لاين
محمد سعيد القبيسي
“مجتمع أون لاين” مصطلح يتردد كثيراً على مسامعنا ونسمع به في كل مكان، فلا يكاد يخلو حديث أو جلسة إلا ويذكر فيها هذا المصطلح. وعند قولنا لكلمة مصطلح، يجدر بنا التذكير بمعناه، فهو إما أن يكون بمعنى “متصل” في العموم، أو أن يكون بمعنى “الكتروني” في الخصوص في حال تم إرفاقه بكلمة أو بخدمة على الشبكة العنكبوتية. وفي كلتا الحالتين، فإن للمعنيين نفس الهدف، وهو أن تكون متصلاً مواكباً جميع التغيّرات والتطورات التي تطرأ من حولك.
وعند النظر للألفية السابقة، سنلاحظ كيف كانت معاناة الكثير من أبناء الجيل في متابعة المعاملات الخاصة بهم ومراجعتها عند جهات الاختصاص. وكانت تتم هذه الأمور إما شخصياً، أو بتكليف أحدٍ ما لينوب عنه. ومن هنا تبدأ المعاناة، إذ يبدأ العميل في زيارة الدوائر المعنية وإيجاد مواقف للسيارات، عدا عن انتظار الدور بعد توزيع أرقام العملاء. والمفاجأة الكبرى أن تقف في طوابير طويلة في انتظار الموظف المختص، لتتفاجأ في كثير من الأحيان بالرد المعروف بأن المعاملة غير مكتملة أو ينقصها بعض الأوراق.
وحين بدأت الثورة المعلوماتية والإلكترونية في الانتشار، تحول كثير من الخدمات إلى خدمات “أون لاين”، وانقسمت المجتمعات إلى فئتين؛ فئة تعرف عن هذا الانتشار، وفئة لا تعرف. ولإلقاء الضوء على الفئة التي لا تعرف عن الثورة الإلكترونية، قام الكثير من القطاعات العامة والخاصة، كالبنوك على سبيل المثال، بتطبيق خدمات الأون لاين لعملائها، وفرض رسوم إضافية للذين يقومون بمراجعتهم شخصياً، وذلك لحثهم على استخدام الخدمات الموجودة “أون لاين”.
وكذلك الحال لبعض الجهات الحكومية التي سلكت هذا الاتجاه، وذهبت لإغلاق بعض فروعها التي تقوم بتوفير خدمات الدفع، أو إغلاق بعض الآلات الحديثة المخصصة أيضاً للدفع للتشجيع على الخدمات (الأون لاين).
وفي أحد مشاهد مسلسل “أون لاين”، تصادف وجودي بجانب أحد كبار السن في أحد البنوك، في انتظار دورنا لمقابلة الموظف المختص، وإذ بأحد العاملين يسأل الرجل الجالس بجانبي: “لماذا لا تستخدم الخدمة الإلكترونية (أون لاين) التي يوفرها البنك لعملائه؟”. بالطبع ارتسمت علامة استفهام كبيرة على وجه هذا الرجل المسن، ولسان حاله يقول: ما هو “أون لاين”؟!..
الموضوع هو كيف لهذا المسن أن يلج موقع البنك ليعرف رصيده أو أية معلومات أخرى عن حسابه، وهو لم يتدرب أو يعلم كيف يستخدم هذه الخدمة من قبل؟ والسؤال الأهم؛ هل قام البنك بعمل اللازم لعملائه لتعريفهم بكيفية استخدام هذه الخدمة، أم هي كما يقولون، “نزلها وخلي الباقي على الله”؟!
والآن، نود أن نسأل الذين يقارنوننا بالدول الأخرى، بعض الأسئلة المهمة، قبل أن يتم اتهام أفراد المجتمع بقلة الوعي وعدم التطور كأفراد المجتمعات الأخرى: هل قمتم أنتم بالفعل بنشر الوعي والثقافة كباقي الشركات والمؤسسات في المجتمعات الأخرى؟ هل قمتم بتجهيز المجتمع لتقبل مثل هذه التغيُّرات كباقي المجتمعات الأخرى؟ هل قمتم بعمل مسح ميداني لأفراد المجتمع لمعرفة كم عدد الذين لديهم بطاقات ائتمان “كالفيزا” و”الماستر كارد” حيث لا يمكن الدفع إلا باستخدامها؟ هل قمتم بتوفير بطاقات مدفوعة مسبقاً لبيعها للأفراد الذين لا يملكون بطاقات ائتمان، ليقوموا باستخدامها للدفع “أون لاين” أو أي بديل آخر؟ وهل كانت هناك حملات إرشادية عبر وسائل الإعلام المرئي والمقروء والمسموع؟
وإذا كان الجواب بنعم، هل قمتم بعمل دراسة عن مدى وصول هذه الحملة إلى جميع أفراد المجتمع؟ وما هي الأوقات التي تم فيها بث مواد هذه الحملة؟ وما هي الفترة التي كانت فيها الحملة ومدتها؟ وهل كانت كافية؟ فلو كانت هذه الحملة كافية وأدت الدور الذي قامت من أجله، لما رأينا الشكاوى من جمهور المتعاملين. وأفضل مثال رأيته، كان أثناء دراستي في المملكة المتحدة، عندما أرادت شركة الاتصالات آنذاك إضافة الرقم (1) قبل الصفر للاتصال داخليا في بريطانيا.
وعندها بدأت الحملات قبل موعد تطبيقها بفترة طويلة، لإعداد المجتمع لهذا التغيير وتأهيله لنمط الاتصال الجديد. أذكر حينها كيف انتشرت الإعلانات في كل مكان وعلى جميع وسائل النقل العام والإذاعة والتلفزيون، وكيف تم التعاون مع بعض المتاجر الكبرى ليقوم موظفو الصندوق بتذكير الزبائن بعدم نسيان الرقم (1) بعد الصفر عند اجراء اتصالهم، وتذكيرهم بالموعد المحدد، حتى أصبح الشعب بأكمله ينتظر هذا التغيير بفارغ الصبر، لدرجة أنه لم ترد أي شكوى بخصوص ذلك عند تطبيقه.
وفي النهاية، نحن لا ننكر الدور الذي قامت به التكنولوجيا في تطور الحياة الإنسانية، حيث قامت بتوفير الوقت والجهد وتقريب البعيد، ولسنا ضد التطور ولا من المقاومين للتغيير، بل نحن من مشجعيه وندعو إليه، ولكن المجتمع يتكون من شرائح وطبقات مختلفة تجب مراعاتها، ونشر ثقافة “الأون لاين” لا يقوم على التطبيق قبل التجهيز، إذ لا بد من أن تقوم الجهات المعنية بإعداد المجتمع عبر حملات التوعية المناسبة، وتوفير المعلومات والأشخاص المؤهلين للقيام بنشر ثقافة “الأون لاين” وكيفية التعامل معها واستخدامها، والتأكد من تغطية العدد الأكبر من أفراد المجتمع.
نشر على البيان الاماراتية