محطات السيرة الذاتية
د. حسن مدن
يرى صديقنا الأديب والناقد المغربي صدّوق نور الدين أن السيرة الذاتية لا يمكن أن تكتب من صاحبها إلا مرة واحدة فقط، فمن يكتب سيرته الذاتية مطالب بأن يحيط، وبصورة بانورامية، بتفاصيل حياته وأهم الوقائع والتجارب التي عاشها، فالسيرة الذاتية، وفق هذا الفهم، يجب أن تقول كل ما يرغب صاحبها في قوله.
قد يعني هذا أن السيرة لا تكتب إلا في عمر متقدم، أي حين يكون المرء قد حصد من التجارب والخبرات مما مرّ به من أحداث ما هو كفيل بأن يشكل مادة لسيرة ذاتية معتبرة، خاصة حين يشعر بأن إغلاق القوس في حياته قد دنا، لذا يرغب في أن يترك خلاصته مكتوبة، سواء تيّسر له نشرها في حياته، أو أن يتركها مخطوطة ليقرر من يعنيه الأمر بعده مصيرها.
كاتب مهم مثل سلامة موسى قال في مقدمة سيرته الذاتية، ما يفهم منه أن سيرة كل إنسان جديرة بأن تكتب. لدى كل إنسان ما يستحق أن يروى، سواء أتى هذا بقلمه، أو عهد بالمهمة لشخص آخر، يُدون هذه السيرة على لسانه، أو يفعل ذلك بالنيابة عنه، فيما يطلق عليه بالسيرة الغَيرية، نسبة إلى مفردة الغير، تمييزاً لها عن السيرة الذاتية التي يتولى روايتها صاحبها نفسه.
خطر في بالي قولا صدوق نور الدين، وسلامة موسى أثناء مطالعتي لكتاب المغربي العربي باطما الموسوم: «الأمل»، مرفقاً هذا الاسم بعنوان فرعي يقول: «الكتاب الثاني من السيرة الذاتية»، وهذا يعني ضمناً أن الكتاب الأول من هذه السيرة كان قد صدر، ولم أتمكن من التعرف إليه، ولم يكتف المؤلف بالإشارة في عنوان الكتاب إلى أنه الثاني، وإنما صدّر الكتاب بالتعهد، أو فلنقل التمني التالي: «إذا أراد المولى سبحانه وتعالى وتركني حياً لأنهيها»، ويقصد بذلك إنهاء سيرته الذاتية، ما يفهم منه أن كتباً أخرى له حول هذه السيرة قادمة غير الأول والثاني.
ما في هذا التمني من رجاء آتٍ من أن الكتاب الثاني مخصص لسرد حكاية المؤلف مع المرض، بعد أن اكتشف الأطباء مصادفة أنه مصاب بداء السرطان، وإن كان يفهم من هذا الرجاء أن الكاتب يوحي لقرائه أنه قد لا يتمكن، بسبب هذا المرض، من إنجاز وعده، فإنه يفهم منه، من جهة أخرى، تصميمه على مقاومة المرض وإنجاز هذا الوعد.
تجزيء السيرة إلى أجزاء، كما في هاته الحال، يعود إلى الظروف الخاصة للكاتب التي تملي ذلك عليه، ولكن يحدث أن أحداثاً فاصلة تنشأ في حياة الكاتب بعد أن يكون أصدر ما يعده سيرة ذاتية له، فإذا به أمام تحدي أن يحكيها هي الأخرى، لشعوره بأن سيرته الذاتية تظل ناقصة إن أغفل ما استجد في حياته بعدها، وقد يكون غيّر فيها المسار.
madanbahrain@gmail.com