مدرسة ليوناردو دافنشي
يوسف أبو لوز
في شخصية «ليوناردو دافنشي» صاحب «الموناليزا» العبقرية الفنية أكثر من «ليوناردو دافنشي»، فإلى جانب كونه رسّاماً خارقاً للعادة هو أيضاً، وبحسب الموسوعة الحرّة مهندس، وعالم نبات، وعالم خرائط، وجيولوجي، وموسيقي، ونحّات، ولكنني أضيف إلى ذلك أنه ينطوي على شاعر مضمر وفيلسوف مُعْلَن.. رجل تأمّلي تماماً وفائض بالحكمة.. ويعرف ذلك كل مَنْ قرأ كتابه «الأعمال الأدبية» الذي نقله إلى العربية عن الإيطالية الشاعر السوري «أمارجي»، وترجمته هذه هي من أَنفس الترجمات إلى العربية، لأنّها تعرّفنا بالشخصيات المتعددة والمركبة عند صاحب «العشاء الأخير». والكتاب أيضاً يحمل نصوصاً توقعية، «نبوءات»، كما يحمل نصوصاً خرافية، وطُرفاً وأساطير وحكايات مشحونة بالرموز والسخرية، إضافة إلى شذرات مشبّعة بروح الشعر ومن ذلك:
«.. النار تبدّد الباطل،
الذي هو سفسطة، وهي كذلك
تسترد الحقيقة.. داحرةً الظلام..»
بعض نبوءات أو توقّعات «ليوناردو دافنشي» نعاينها أو نعاين ما يشبهها في زماننا هذا على رغم كتابتها قبل حوالي خمسمئة عام، وإن كان من تعليق على ذلك، فإن «حدوس» دافنشي تعود إلى الطاقة الروحية – الإبداعية التي يحققها الفن أو تحققها روح الفن.
انظر ماذا يقول عن الماء وتحوّله إلى فيضانات مدمّرة شهدتها بقاع كثيرة من العالم وراح ضحيتها الملايين من البشر.. يقول.. «.. مياه البحار سوف ترتقي قمم الجبال الشاهقة، صاعدةً نحو السماء، ثم تتنزّل ثانيةً في منازل البشر.. اعني عبرَ الغيوم..».
ترى هل كان «دافنشي» يتوقع السفر في طائرة والكلام في الهاتف أو في الهواتف النقّالة قبل مئات السنوات من اختراع هذه الأعاجيب التي وُلِدت من العقل البشري عندما قال عن «الأحلام».. «.. سوف يمشي الناس دون أن يتحركوا، سوف يتحدثون إلى مَنْ ليس حاضراً، ويسمعون حديث مَنْ لا يتكلم..».
.. ولكن.. أين روح الطرفة عند «دافنشي» العالِم والحكيم والموسوعي والفيلسوف؟، يقول.. «.. رأى أحدهم سيفاً كبيراً معلّقاً على خصر رجل، فقال له: يا لك من مسكين!.. منذ عهد بعيد وأنا أراك موثقاً إلى هذا السلاح لماذا لا تَفْكُك وثاقك وتحررّ نفسك ما دمتَ طليق اليدين؟..
أخيراً.. يستطيع الكثير من الرسّامين أن يتخذوا من «الأعمال الأدبية» لدافنشي مدرسة لثقافتهم في اللون وتدرّجاته، وسطوح الأجسام وصنع الصمغ وحتى العطر:.. خذ ماء الورد، ورطّب يديك به، ثم خذ زهرةَ الخزامى وافركها بين يديك.. تحصل على رائحة زكية.
yabolouz@gmail.com