مرايا الإمارات «2»
يوسف أبولوز
منذ قيام دولة الإمارات العربية المتحدة قبل ٤٦ عاماً كانت ومازالت التنمية الثقافية، والاستثمار في الثقافة، وتطوير العمل الثقافي بآليات وأفكار معاصرة ورؤى عملية.. من الأولويات، ولذلك نرى أن المؤسسات الثقافية بأطرها الأولى وإمكانياتها الأولية ظهرت مبكراً، ولعل اهتمام الأندية الرياضية بالثقافة وتكوين لجان خاصة بها في جسم هذه الأندية كان الإطار الأول للعمل الثقافي في الإمارات.
قبل ذلك، لا ننسى التاريخ الثقافي الإماراتي وتمثلاته المرجعية الأولى: الماجدي بن ظاهر، أحمد بن ماجد «عالم الملاحة البحرية والشاعر»، وراشد الخضر، وجماعة الحيرة، واتصال شعراء إماراتيين بمحيطهم الإبداعي العربي ومثال ذلك حيوية الشاعر أحمد أمين المدني في العراق وفي بريطانيا، كما اتصال شعراء إماراتيين بالمناخ الأدبي الطليعي في بيروت، ومثال ذلك سلطان بن علي العويس رجل المال والتجارة واللؤلؤ الذي كان الشعر حياته وهاجسه اليومي، وأيضاً اتصال أدباء إماراتيين بأقرانهم ورفاقهم المبدعين في الخليج العربي، إلى جانب اتصالهم الثقافي بالثقافات المجاورة وتحديداً الهند..
كل ذلك وغيره الكثير الذي يحتاج إلى تأريخ ومراجعة وتوثيق يقول لنا، ويقول لابن المنطقة بشكل عام إن الروح الثقافية الأدبية والفكرية كانت هي روح المكان الإماراتي منذ مئات السنوات، والكثير من الشواهد الآثارية تؤكد ذلك.
الثقافة في الإمارات، إذاً، جذر، ومرجعية، ومجموعة سياقات مكانية واجتماعية، وفي ضوء ذلك، من الطبيعي أن يكون النشاط الثقافي الإماراتي من أولويات الدولة الحديثة.
كانت ذروة خريطة العمل الثقافي قد بدأت في أوائل ثمانينات القرن العشرين: معارض الكتب، نشوء الجمعيات المتخصصة مثل جمعية التشكيليين وجمعية المسرحيين، بينالي الشارقة، بل الأبرز والأكثر تنظيماً وتدبيراً هو مشروع الشارقة الثقافي الذي أصبح اليوم صفة ثقافية عربية عالمية، وهو مشروع تنويري في الأساس انتبه منذ البداية إلى مفهوم الثقافة المحلي والعربي والعالمي، وسوف يؤدي هذا المشروع إلى نتائج واقعية عملية أساسها الثقافة بوصفها رؤية وإنتاجاً اجتماعياً وزاوية انفتاح على العالم وحضاراته وثقافاته.
المحصلات الثقافية الإماراتية منذ ٤٦ عاماً ينظر إليها كماً ونوعاً وتأثيراً وهي عديدة صاعدة في رسم بياني نحو التجديد والمعاصرة، والقراءة المباشرة الميدانية لقطاع الثقافة في الإمارات تتجه إلى أكثر من حقل: النشر وصناعة الكتاب وتمكين ثقافة القراءة، وثقافة التشكيل، وثقافة المسرح، ثم الترجمة وامتداد شرايينها إلى ثقافات ولغات العالم، ثم الجوائز الأدبية التي تعني تكريم المبدع الإماراتي والعربي، وحثه على المواصلة والاستقرار والاستقلالية المادية والمعنوية من دون الالتفات إلى أي اعتبارات أيديولوجية، سوى اعتبار أدبي مبدئي واحد هو: الإبداع والإخلاص للفكر والكتابة.
هل نتحدث أيضاً عن الصحافة الثقافية الإماراتية ودورها البالغ الإيجابية في نشر ثقافة معاصرة وحدثية مرتبطة بروحها التراثية وبالعالم؟ الكلام يطول حول نقاط كثيرة هي صورتها المقربة دوائر تتسع على دوائر لكي تشكل بحراً غنياً بالكنز الإماراتي القديم الذي اسمه: الثقافة وروحها في المكان والإنسان.
.. غداً أواصل..