مسرحة الصحراء
يوسف أبو لوز
الأصل في مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي أن عروضه، كما قال أحمد بورحيمة مدير إدارة المسرح في دائرة الثقافة في الشارقة «مستوحاة من الثقافة الصحراوية..»، وهي ثقافة البادية الأصيلة والشعبية في آن، ثقافة الإنسان الذي يستعير من انسيابية وطهرانية الرمل خلقاً وسلوكاً ومعنى فتتشبع روحه بالتسامح والرحابة والصفاء المرتبط، أصلاً، بهوية المكان الجمالية.
اليوم.. النسخة الثالثة من المهرجان في الكهيف في المنطقة الوسطى في الشارقة، المكان الذي أصبح أليفاً بالنسبة لرواد المهرجان في الدورتين السابقتين، وهو أيضاً المكان الذي يبعث بإشاراته الشعبية والتراثية إلى المشاهد الذي تعوّد الآن على مسرح خارج العلبة الإيطالية في الهواء الطلق، وفي مناخ ثقافي عام المبتدأ فيه أن المسرح فن الحياة، وفن الناس.. المسرح في فلسفة المهرجان يذهب إلى الناس، ويذهب إلى الأمكنة في ذروة براءتها وطفوليتها وعذوبتها الجغرافية كما هي الحال في جغرافيا الصحراء.
أربعة عروض من الإمارات، وسلطنة عمان، وموريتانيا، والمغرب، قاسمها الفني هو الصحراء وتراثها وثقافتها وسردياتها المكتنزة بالشجاعة، والجرأة، وذكاء العقل والبصيرة.. سرديات صحراوية يكشف عنها المسرح ويؤشر إلى فطرية المكان وفطرية الإنسان فيها.
المهرجان أيضاً حدث كبير في أجندة إدارة المسرح في دائرة الثقافة في الشارقة، وهو امتداد للرؤية الثقافية المسرحية في الشارقة التي تولي هذا الفن الجماعي التاريخي أهمية بالغة الخصوصية والتقدير.
وُلِدَ مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي من خلال تاريخ عملي ومهني يتصل ب «أبي الفنون» الذي يكبر تصاعدياً في عناصره وعروضه وفكره هنا في الشارقة منذ ثمانينات القرن العشرين وحتى اليوم.. وتظاهرته الأم: «..أيام الشارقة المسرحية».
وُلِدَ هذا المهرجان من خلال تدرج منهجي منظم وفق رؤية وفلسفة مشروع الشارقة الثقافي الريادي والتنويري، وكان المسرح، ويبقى حاضراً ومستقبلاً أساساً من أساسات هذا المشروع بشخصيته المحلية والعربية والعالمية.
لقد أصبح مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي حالة ثقافية منتظرة في فضاء الرمل الحر، وفي وقت من العام طيب الطقس وطيب المناخ تكشف فيه الصحراء في الشتاء عن كنوزها الأرضية من نباتات وأزهار وأعشاب هي روح واسم ورائحة المكان.
المهرجان، أيضاً، ثقافي، شعبي، ترفيهي يعمل من دورة إلى دورة على معرفة الصحراء، ولمسها، والإصغاء إلى إيقاعها السري العبقري.
بهذا المعنى.. تتسع فكرة وأفكار مهرجان الشارقة للمسرح من كونه فضاء للعرض والفرجة إلى كون المكان دافعاً للإلهام في مختلف قنوات الإبداع: الشعر، القصة، الرواية، الرسم، النحت «..والرمل عبقري النحت..».
المهرجان ومكانه وطبيعته المفتوحة والنقية دافع آخر للكتابة التي تعشق، عادة، كل ما هو فطري، وعفوي، ونظيف.. نظافة الرمل المعطر بالخزامى.