مصر في عين الإرهاب
نبيل سالم
مرة أخرى يضرب الإرهاب التكفيري الأعمى في مصر مسفراً عن وجهه القبيح، وذلك من خلال استهدافه مسجد الروضة في شمال سيناء، ليؤكد من جديد أن مسلسل الإرهاب الذي انحسر من خلال انتصارات الجيش السوري والعراقي على تنظيم «داعش» في هذين البلدين، لم ولن يتوقف عند هذا الحد، وإنما سينتقل بالتأكيد إلى مناطق أخرى، تماشياً مع مخطط مدروس، يهدف أولاً وأخيراً إلى تدمير الدول العربية، التي شكلت في يوم من الأيام خطراً عسكرياً استراتيجياً على «إسرائيل».
فبعد سنوات طويلة من الصراع في كل من سوريا والعراق، لا يمكننا أن نتجاهل حجم الخسائر الكبيرة في هذين البلدين، وبالتالي التأثير السلبي على قدراتهما العسكرية، وأثر ذلك على الصراع المفتوح مع الاحتلال «الإسرائيلي».
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الجيش المصري، الذي يعد الآن الأقوى في المنطقة، والذي لم تدمر بنيته العسكرية بعد، نستطيع أن نفهم المعاني التي يحملها الإجرام الإرهابي الجديد في سيناء، والذي أسفر عن مقتل أكثر من ثلاثمئة شخص وإصابة العشرات في مجزرة بشعة، أراد الإرهابيون من خلالها إيصال أكثر من رسالة في آن واحد. وهذه الرسائل هي أولاً دفع الشارع المصري إلى التشكيك بقدرة قواته المسلحة على حمايته، حيث تقصد الإرهابيون إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، في صفوف مدنيين آمنين مسالمين، خلال تأديتهم للصلاة، في مكان مقدس. أما الرسالة الثانية التي أراد المجرمون الإرهابيون إيصالها، فهي الإيحاء بأن هناك أزمة طائفية في مصر، وذلك عبر استهدافهم لأتباع المذهب الصوفي، مثل الرسائل الطائفية التي يحاولون إيصالها عند استهدافهم للمسيحيين في مصر، أو أي مكون آخر من مكونات الشعب العربي المصري، تماماً مثلما حاولوا فعله في كل من العراق وسوريا، عبر استهداف طوائف محددة من مكونات الشعبين العراقي والسوري، لنشر بذور حروب ذات طابع طائفي، يراد منها أن تؤدي إلى تمزيق النسيج الوطني للشعبين السوري والعراقي.
وبالتالي فإن ما حدث في مصر مؤخراً لا يمكن فصله عن الأهداف الصهيونية المعلنة والمستترة بالهيمنة على المنطقة، باعتبار أن موجات الإرهاب استهدفت تحديداً دولاً عربية كانت تعد قوية عسكرياً، زد على ذلك أن سيناء بخيراتها وثرواتها تبقى في بؤرة العين «الإسرائيلية»، رغم انسحاب «إسرائيل» منها، وهنا يمكن اعتبار مجرمي «داعش» وغيرهم من الإرهابيين مرتزقة للاحتلال الصهيوني والقوى الغربية الداعمة له من أجل الوصول بالمنطقة إلى التبعية لهذه القوى بالكامل، بعد تجريدها من عناصر قوتها، واستغلال الدين كغطاء لتمرير تلك الأجندات الاستعمارية.
ومن يتابع مجريات الحرب ضد الإرهاب ولا سيما ضد تنظيم «داعش»، يلمس بوضوح وقوف بعض القوى الكبرى خلف هذا التنظيم الإجرامي، ومحاولتها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من قياداته وعناصره في كل من سوريا والعراق، بهدف نقل هؤلاء المرتزقة من الساحتين السورية والعراقية، إلى ليبيا ومن ثم إلى مصر ودول أخرى لإكمال مسرحية الشيطان هذه، التي لا يراد لها أن تنتهي قبل أن تصل بالمنطقة العربية إلى التمزيق الكامل، وإبقائها عاجزة تماماً، لتسهيل ارتمائها في حضن هذه القوى الاستعمارية التي لا يمكن أن توقف دعمها لهؤلاء المرتزقة إلا بعد تأدية الأدوار المرسومة لهم بالكامل، والتي تهدف في النهاية إلى سيطرة هذه القوى وعلى رأسها الاحتلال العنصري الصهيوني على الشرق الأوسط كله.
ولعل هذا ما يفسر القلق الصهيوني المعلن، من إمكانية انتهاء الأزمة والحرب ضد الإرهاب في كل من سوريا والعراق.
أخيراً، نقول إن على الدول العربية ولا سيما المستهدفة حالياً بالإرهاب أن تدرك أن معركتها واحدة، ضد هذا الخطر الكبير، وإلا فإنها ستبقى كالطرائد التي تلاحقها الذئاب لتلقى كل طريدة حتفها على حدة، وإن على هذه الدول أن تبدأ قبل كل شيء بمحاربة الفكر الإرهابي وتطويقه سياسياً وثقافياً وفكرياً، قبل القضاء عليه عسكرياً.
nabil_salem.1954@yahoo.com