معرفة الاستسلام
مريم البلوشي
قناعة المعرفة أعتقد هي الاستسلام التام لما يأتي إليك من كم من العلوم والآداب في سيل متدفق لا تقاومه أو تحاول أن تتجاهله، بل تفتح له ذهنك وروحك ونفسك وكل ذرة تتنفس فيك لتستقبلها، متعايشاً معها، متداخلاً في تفاصيلها، متشرباً لجماليّتها ومتعاطياً مع التغييرات الكيميائية الفسيولوجية التي تحدثها فيك، نقلك من حال لحال، وتجريدك من فكر سابق وإعادة ترتيب حياتك من منظور جديد والاستسلام لفكرة أنك مخطئ لربما في مسار ما، والتحول من شخص جامد في مكان ما إلى امرئ له من السلاسة ما يجعله في تموج جميل مع سحر المعلومة وعبق المعرفة، تناغم الحب وإبهار التجربة…!
هذا هو العلم الذي يدرس له، وهذه هي حياة العلماء وتفاصيل قد أراها من قريب أنهم عاشوها، واليوم نحن ندرس، أبناؤنا يدرسون، نقرأ وكل من حولنا يقرؤون، هل صرنا مبرمجين على التلقي من أجل أن نقدم امتحانات مؤقتة ونمضي؟ لا تعيش فينا المعلومة أو الفكرة إلا في ذاكرة مؤقتة تخرج متى ما سلمنا ورقة الامتحان؟ حين أشاهد آلاف الطلاب اليوم يدرسون بجد واجتهاد، ومن خلفهم أولياء الأمور في فترة الامتحانات أتساءل لماذا يدرّس بهذه الطريقة؟، وكيف درسنا نحن؟ هل حقاً نحب ما ندرسه أم أنها سنة دراسية ستمر وتعود دوامة السنة الجديدة حتى يتخرج المرء من مرحلة وأخرى، مدرسة ثم جامعة، دراسات عليا فشهادات تكثر على الجدار؟.
أولياء الأمور اليوم في مرحلة قلق مشاهد، والطلاب في ثورة معلوماتية محققة، يتحولون في الكتب والأجهزة الإلكترونية بحثاً عن الدروس وملخصات وأجوبة، والكل يسارع لمعرفة أسهل الطرق في المذاكرة مع مداهمة فترة الامتحانات الدراسية، ونتساءل: هل يأتي يوم وتتغير طريقة الدراسة والامتحان، وتكون المتعة أكثر من القلق المصاحب لآلام في البطن من كثرة التوتر والقلق؟، وهل يصير هوس التفوق بالدرجات العليا إلى الهوس الجميل بجمال المعرفة والتغييرات الهرمونية المصاحبة؟ لا يمكن أن نبقى فقط نتسارع ونعيش جيلاً تلو جيل من أجل أرقام فقط، بل العقول الواعية المدركة في المدرسة والحياة هي ما تتوق لها الحياة. كل طالب يمتحن اليوم أرى في وجهه رغبة تقول: «متى ننتهي؟»، وكل ولي أمر تراه يتمنى «أن ينقضي وقت الامتحانات بتفوق أبنائه بالدرجات». وفي رغبة شخصية أتساءل، «كم من شخص حقيقةً يستمتع بفترة الامتحانات؟» بواقعية شخصية، كانت فترة مرهقة وأحياناً مؤلمة، وحين تنقضي يبدأ المغص يتحرك يميناً وشمالاً بحثاً عن موعد إعلان الدرجة…!
ستمر هذه الأيام، وتغدو ذكرى بكل تفاصيلها الحلوة والمرة، ستغدو جميلة في الذاكرة ونتمنى عودتها.
كل التوفيق للطلاب والطالبات في امتحاناتهم التي تجري ونحن نقرأ المقال من جديد.
mar_alblooshi@hotmail.com