مفرقات استبدادية في المعلوماتية
عبد اللطيف الزبيدي
إلى أين تسير بالناس المعلوماتية والرقمي؟ فيهما عوالم من النعمة والنقمة. فيهما إغراق أسواق الأدمغة ببضائع المعلومات، المعلبات والطازجة، السوائل والجوامد والهلاميات، وفيهما، من دون ملصق تنبيه، منتهي الصلوحيّة فاقد الصلاحيّة، الضارّ السامّ.
المفارقات لا حصر لها. الأسوأ هو أن فيها الكثير من طبائع الاستبداد. في الاقتصاد يؤدي إغراق الأسواق إلى منع المحليّ من الإنتاج. هكذا تفعل بنات المعلوماتية، من شبكة عنكبوتية ومحرّكات بحث ووسائط رقمية، تجعل الدماغ يرفع شعار نزار: «لا وقت لدينا للتفكير». تماماً شأن الشعوب في الأنظمة المتجبّرة: النظريات والأفكار سحائب فوقية تمطر الناس، إلاّ أنها أمطار حمضية في وادٍ غير ذي زرع، لا تُنبت شيئاً فلا إثمار ولا يناع. الناتج تحويل البشر إلى روبوتات وظيفتها عدم الإنتاج، أمّا الإبداع فدونه خرط الأسلاك الشائكة. ثمّة قمع اجتماعي معلوماتي أدمنته الأذهان. أصبح الفرد وأمسى رهن الجوّال والحاسوب. قد يكون على حق، يرى أن النهر أمامه، فلماذا يسأل غيره قطرة ماء، حتى لا نبالغ بالقول: الوحدة خير من رفيق عدم العلم. إذا سألت الجالس إلى جوارك عن عاصمة بلد، ذكر اسمها إن كان يعلم، أمّا «الأستاذ جوجل»، فيغرقك بمئات ألوف الموارد والمواقع، حتى تقول: هل تنبّأ الطغرائي بمحيطات النت: «فيمَ اقتحامك لجّ البحر تركبه.. وأنت تكفيك منه مصّة الوشلِ»؟ (أن تدخل إصبعك في الفقاقيع وتمصّها).
المشكلة اجتماعية ثقافية، من مساوئها قطع الطريق على الحوار، تلاقح الأفكار، تربية العقل الناقد أسريّاً، تنمية روح الانفتاح على الآراء اجتماعيّاً، والانعكاسات السلبية لكل ذلك على الفضاء السياسيّ. يحتاج الأمر إلى العكوف على دراسة الأرضيّة التربويّة التعليميّة التي تنتشر فيها المعلوماتية بحواسيبها وجوّالاتها وشبكتها ورقميّها. لا تزال المناهج العربية غير مدركة أهميّة تربية العقل الناقد الفاحص المدقق الباحث المحقق المغربل. كل مسيرة الدماغ، من البيت إلى المدرسة إلى المجتمع، تتلخص في التلقي، مجرّد إناء. في حين يحتاج إدراك أسرار الحياة والكون إلى البحث العلميّ والاختبار. أحاديّة النظرة الجامدة إلى النص قضية منهجيّة مناهجيّة. لا نحن تقدّمنا في البيولوجيّا استجابةً ل: «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت»، ولا تألقنا فيزيائياً فعرفنا كيف صنعت الحواسيب، ولا كيف قامت الشبكة على المعلوماتية بالرياضيات والخوارزميات والفيزياء، ولا كيف يصنع الذكاء الاصطناعيّ مستقبلاً نحن في الخطوة الأولى من مليارات أمياله.
لزوم ما يلزم: النتيجة السؤالية: كيف يمكن التوفيق بين دماغ نشأ على التلقي القمعيّ، وعالم من الوسائط القائمة على البحث العلميّ؟
abuzzabaed@gmail.com