مهاجرون وعنصرية
د. حسن مدن
لم يعد خافياً أن موضوع المهاجرين من البلدان الفقيرة والمبتلاة بالحروب والفتن والمجاعة، بات رصيداً يغذّي الاتجاهات العنصرية، التي لا يخلو بعضها من نزعات فاشية، في البلدان الأوروبية المستقبلة للهجرة، وتدل مؤشرات الانتخابات النيابية والرئاسية في العديد من هذه البلدان على صعود مستمر في السنوات الأخيرة للأحزاب الممثلة لهذه الاتجاهات، التي كانت، حتى قبل سنوات قليلة فقط، عاجزة عن بلوغ النسبة الضرورية من أصوات الناخبين كي تتأهل لدخول البرلمانات، فيما أصبح البعض منها، اليوم، على عتبة السلطة، وربما لا يكون بعيداً اليوم الذي تظفر فيه بها.
وباتت الشعارات المعادية للمهاجرين، والمطالبة بوقف استقبالهم، لا بل وإعادتهم من حيث أتوا، تلقى قبولاً لدى قطاعات من السكان الأصليين في هذه البلدان، بين من يرى في المهاجرين منافسين في فرص العمل، ومن يراهم عالة على تلك الشعوب، بسبب المبالغ غير القليلة التي تنفق لإيوائهم وتعليمهم وتطبيبهم، على حساب دافعي الضرائب.
وتتنامى مشاعر الكراهية للأجانب ومقتهم، وترتفع أصوات غير قليلة محذّرة من المخاطر الماثلة على «النقاء» الأوروبي، وعلى نمط الحياة الغربي المنفتح، أمام موجات الانغلاق والتعصب والمحافظة التي يحملها الكثير من المهاجرين معهم إلى هذه البلدان، الذين لا يظهرون ما هو مطلوب منهم من قابلية واستعداد للاندماج في المجتمعات التي أتوا إليها، بما لها من ثقافة وعادات وأنماط سلوك مختلفة بصورة جذرية عن تلك التي ألفوها في بلدانهم الأصلية، على الأقل في بعض المجالات.
ومع تفشي ظاهرة الإرهاب، الذي غدا «معولماً» عن حق، ونجاح تنظيماته في تجنيد شبان من أصول عربية ومسلمة في صفوفها، والزج بهؤلاء الشبان في عمليات إرهابية، بعضها انتحاري، لا في مواقع القتال في البلدان العربية، وإنما أيضاً في البلدان الأوروبية التي ولدوا فيها، حيث هاجر إليها آباؤهم، وربما أجدادهم من قبلهم، ما شكّل صدمة للمجتمعات التي يقيمون فيها، حيث أظهر ذلك فشل هذه المجتمعات في احتوائهم ودمجهم، ليس بالضرورة بسبب ضعف آليات الإدماج، وإنما أيضاً لأن المؤثرات «الثقافية»، إن جاز لنا وصفها بذلك، الآتية إليهم من مساقط رؤوس أسلافهم قادرة على إحداث نوع من غسل الأدمغة، في عالم وعصر باتت تقنيات التواصل فيهما تؤمّن ضخ المواد والرسائل المختلفة، بما فيها تلك المحبذة للعنف والحاضّة عليه.
لكن إذا حصرنا حديثنا في موجات الهجرة الجماعية الأخيرة التي نشأت إثر اندلاع الحروب الأهلية في العديد من بلداننا، فإن ثمة خياراً بديلاً أمام الدول الغربية، لتفادي الهجرات نحوها، هو بأن تقوم بمهام رجال الإطفاء، لإخماد الحرائق التي يفرّ الناس منها نحو أوروبا، بدل دور صبّ الزيت على تلك الحرائق الذي برعت فيه بعض حكوماتها.
madanbahrain@gmail.com