غير مصنفة

نحو الاستقرار السياسي في إفريقيا

جاكي سيليرز*

من أهم السبل لإشاعة الاستقرار السياسي في القارة الإفريقية، السياسات الاقتصادية السليمة، والهجوم على الفساد والسرقة من قِبل النخب الحاكمة، وتعميق الديمقراطية وإعادة النظر في النهج المتبع تجاه تهديد الإرهاب.
تخضع مستويات النزاع المسلح للمدّ والجزر. ففي عام 2017، كانت مستويات العنف الذي ينطوي على عدد مرتفع من الإصابات المميتة في إفريقيا، أدنى بدرجة كبيرة ممّا كان عليه في الفترة التي أعقبت الحرب الباردة مباشرة. وقد حدث هذا الاتجاه، على الرغم من الزيادات الأخيرة في الإصابات القاتلة المرتبطة بالإرهاب في دول رئيسية، مثل نيجيريا والصومال. وحتى الإصابات المميتة بين الإرهابيين انخفضت منذ عام 2015.
ولكن القارة ما تزال تشهد زيادة في الاضطرابات الاجتماعية والقلاقل والاحتجاجات. ومما يحرّك ذلك التنمية والهجرة من الريف للمدن والتحديث، وكلها أمور لا يمكن تفاديها. ويعود الفضل في التنمية إلى أن إفريقيا، شهدت منذ عام 1994 أطول فترة نموّ مطّردة منذ إنهاء الاستعمار في ستينات القرن الماضي.
والعامل الرئيسي الآخر الذي يقود الاضطرابات؛ هو كون الديمقراطية تتوسع في القارة، والضغط يتصاعد على أنظمة الحكم الاستبدادية؛ ولذا ينبغي ألاَّ يدهشنا انتشار العنف في بلدان تتراوح بين جمهورية الكونغو الديمقراطية، وبوروندي وأوغندا. وفي البلدان التي تديرها نخب صغيرة، أو إحدى الأسر؛ مثل الغابون والكاميرون وغينيا الاستوائية.
وعلى المدى الطويل، لن يجعل إفريقيا أقل تقلباً، إلاّ النمو الاقتصادي السريع الشامل، والحكم الرشيد، متضافريْن معاً.
ولكن كيف تستطيع تحقيق ذلك؟ المطلوب هو مزيج من السياسات الاقتصادية السليمة، والهجوم على الفساد والسرقة من قِبل النخب الحاكمة وتعميق الديمقراطية، وإعادة النظر في النهج المتبع تجاه تهديد الإرهاب.
ففي ظل النمو السكاني الحالي، تحتاج إفريقيا إلى متوسط معدلات نمو اقتصادي يتجاوز 7% سنوياً على مدى عدة عقود، إذا ما أريد لها أن تحدّ من الفقر، وتزيد معدل مستويات الدخل، وهذا غير مرجح؛ إذ تقدّر التوقعات الحالية معدلات متوسط النموّ بنصف ذلك.
ولعل الأهم من ذلك، هو أن إفريقيا في حاجة إلى إيجاد سبل لجني ثمار ميزتها السكانية، وهي انخفاض عدد المعالين، ومعظمهم أطفال، بالمقارنة مع الأشخاص في سن العمل (15 إلى 65 عاماً من العمر). وفي العادة يمكن تحقيق ذلك على الوجه الأكمل، من خلال إجراء تحسينات في تعليم الإناث، ولكن توفير المياه، والصرف الصحي، وفرص الحصول على وسائل منع الحمل، يمكن أن تؤدي دوراً كبيراً.
كما تحتاج إفريقيا أيضاً إلى أن تضع التوظيف في القطاع الرسمي في صميم سياسة الحكومة. ويتطلب ذلك بدوره تنويع الاقتصادات الإفريقية، إضافة إلى مستويات من الاستثمار الأجنبي والمشاركة تكون أعلى بكثير.
وفي ما يتعلق بالاستثمار ومعونة التنمية، وجد معهد الدراسات الأمنية، أن بلدان الدخل المتوسط تحقّق تقدماً في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، ولكن الدول الفقيرة ما تزال تعتمد على المساعدات.
ومن المجالات الأخرى التي ينبغي التركيز عليها، دعم سيادة القانون وإقامة نظم ضريبية فعالة. وكثيراً ما تغيب أمور أساسية مثل نظم الهوية الوطنية، والسيطرة الفعالة على الحدود، ونظم العدالة الجنائية الفاعلة.
وتكثف العديد من الشعوب في مجموعة واسعة من بلدان القارة، مطالباتها بالديمقراطية. وعلى الرغم من كثير من النكسات، يواصل انتشارُ الديمقراطية تقدمه عاماً بعد عام.
وينبغي أن تمتد مساءلة الحكم، لتشمل أيضاً القطاع الأمني، حيث يكون الإصلاح أهم عنصر في مكافحة التطرف العنيف. ويتطلب التصدي للإرهاب، في واقع الأمر استخبارات وملاحقة قضائية، ونهجاً يسوده القانون.
ويجب نصح البلدان الإفريقية باللجوء إلى الرد الاستخباري والشرطي، بدلاً من الرد العسكري على الإرهاب.
ومما يغذي التطرف أيضاً، الفساد والسرقة من قِبل النخب الحاكمة والملاذات الضريبية. ومن هنا فإنه ينبغي على إفريقيا أن تعمل مع بقية دول العالم للقضاء على الملاذات الضريبية، والتهرب الضريبي وغسيل الأموال.

*رئيس مجلس الأمناء في معهد الدراسات الأمنية الإفريقي – موقع «ذي كنفرسيشن»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى