مقالات رئيس التحرير
هجرة البيوت
محمد القبيسي
منذ أمد ليس ببعيد كان الرجل هو المسؤول الأول والأخير عن العمل خارج البيت لتأمين حياة كريمة لأفراد أسرته، بينما تقوم المرأة بدورها الطبيعي في رعاية الأبناء وتربيتهم والاهتمام بزوجها الذي يكدُّ ويتعب ليل نهار في سبيل سعادة عائلته، لكن وبعد ازدياد متطلبات الحياة في هذا العصر أصبحت الكثير من النساء مضطرات للعمل خارج المنزل أسوة بالرجال لمد يد العون لأزواجهن الذين باتوا غير قادرين على تأمين لقمة العيش وسط غلاء المعيشة والتغيرات الاقتصادية المتسارعة.
وقد أدى دخول المرأة سوق العمل إلى الكثير من التعقيدات في الحياة الأسرية، فها هي اليوم تهجر بيتها لساعات طوال تاركة أبناءها الصغار وزوجاً يحتاجها قربه لتعمل وتشقى كما يفعل، ثم ترجع إلى بيتها خائرة القوى فلا تجد في ذاك الجسد المنهك طاقة تكفي للقيام بأي شيء آخر.
إننا وفي ظل هذا الواقع الذي يفرض نفسه على بعض النساء نرفع القبعة احتراماً وتقديراً للجهود الكبيرة التي يبذلنها في سبيل مساعدة الزوج وتوفير حياة كريمة للأبناء، لكن ما يؤسَفُ له حقاً أن فئة أخرى من النساء لا تحتاج أسرهن إلى أي معيل إضافي عدا الرجل، غير أنهن يخرجن للعمل لا من أجل تأمين ضروريات الحياة بل لتوفير الكماليات من رحلات ترفيهية وسيارات باهظة وشراء لأغلى أنواع الملابس والمجوهرات وإقامة المناسبات الفارهة بقصد التفاخر والتصوير والتباهي أمام الآخرين، في الوقت الذي يهملن فيه دورهن كأمهات وزوجات تقع على عاتقهن مسؤولية تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صالحة ورعاية شؤون الزوج والاهتمام به ليكون البيت سكنه الدافئ وملجأه من العمل الوظيفي والتعب الذي يعيشه بشكل يومي.
إن للمرأة دوراً مهماً للغاية في حياة أبنائها منذ الصغر، فإذا كان الرجل قادراً على العمل خارج المنزل والقيام بدوره كأب فالمرأة ليست على السوية ذاتها، ذلك أن الطفل بحاجة إلى أمه في جميع مراحل حياته أكثر من حاجته إلى الأب وخصوصاً في هذه الأيام حيث بات من السهل تعرُّض الصغار إلى الكثير من مفرزات الحضارة الحديثة التي قد تؤدي إلى مشاكل نفسية عديدة ما لم تتواجد الأم إلى جانبهم لترعاهم وتحميهم وتكون لهم الصدر الحنون.
لسنا بحاجة اليوم إلى هجرة المرأة من بيتها للعمل خارجه طالما أن الزوج قادر على الوفاء بمتطلبات الحياة اليومية لأسرته، بل نحن بحاجة إلى هجرة حقيقية إلى بيت لو نطقت جدرانه لبكت رحيلها؛ لتكون حاضرة فيه كياناً مفعماً بالحب يفيض عطفاً وحناناً على جميع أفراده الذين خُلقوا لتكون تلك المرأة العظيمة سكنهم وملجأهم.