هذا الاستهداف لحائط البراق
عوني فرسخ
لدى زيارة الرئيس ترامب للقدس المحتلة زار حائط البراق «المبكى» معتمراً الطاقية اليهودية التقليدية، ووضع في أحد شقوق الجدار وريقة فيها بعض أمنياته. ما يعبر عن تبنيه الرؤى اليهودية. كما نقل عن مسؤول مقرب منه تأكيده بأن حائط «المبكى» جزء من «إسرائيل»، ويجب أن يكون كذلك. فيما نقل عن «البيت الأبيض» أن نائب الرئيس لدى زيارته المقبلة للقدس المحتلة سيزور حائط «المبكى». و يأتي هذا الإعلان في ذروة الغضب العربي على إعلان الرئيس ترامب عزمه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعتبارها عاصمة «إسرائيل»، ففي ذلك الدلالة الواضحة على استهداف إدارة ترامب لحائط البراق، دون أي اعتبار لقدسيته عند ملايين المسلمين.
فحائط البراق بعض الجدار الغربي للحرم القدسي، حيث يعتقد بأن الرسول عليه الصلاة والسلام ربط البراق عنده ليلة الإسراء والمعراج. فيما يدعي اليهود أنه من بقايا الهيكل الثاني الذي هدمه الرومان، حيث اعتادوا البكاء عنده على هدم الهيكل والدعاء بوضع وريقات فيها أدعية بين شقوقه. ومع أن حائط البراق من بعض الوقف الإسلامي اعتادت القيادات الإسلامية التسامح تجاه ممارسات اليهود قبالته باعتبارهم «أهل الكتاب».
وكان الجنرال اللنبي لدى دخول الجيش البريطاني القدس في 1917/12/11 قد أذاع بياناً أعلن فيه بأن «الوضع الراهن هو المحكم في الأمور الدينية». ولكن الصهاينة لم يلتزموا بإعلان القائد الذي فتح لهم أبواب فلسطين، وإنما تحدوا إعلانه بأن توجهت مفرزة يهودية من جيشه إلى ساحة البراق وأقامت صلاة عامة فيها، خلافاً لما كان معمولاً به في العهد العثماني وما سبقه من عهود. وأعقب ذلك كتابة حاييم وايزمان لوزير الخارجية البريطاني بلفور مطالباً بتسليم الحائط إلى اليهود بدعوى أنه «أقدس نصب لدينا، في أقدس مدينة عندنا، وهو في أيدي مجموعة دينية مغربية مشبوهة». ولكن مسعاه خاب عند بلفور.
كما فشلت جهود الصهاينة المكثفة حينها لشراء الأراضي والمنازل القريبة من الحائط في حارة المغاربة، لأنها كانت جميعها وقفاً إسلامياً. وتوالت التصريحات الصهيونية والإنجليزية حول حائط البراق التي أثارت قلق النخب السياسية العربية التي رأت فيها مؤشراً على أن مطامع الصهاينة لا تقف عند حد. فصحيفة «الجويش كرونيكل» اللندنية كتبت تقول، إن حائط «المبكى» أصبح في نظر اليهود، وليس الصهاينة فقط معياراً تقاس به مكانه اليهود في فلسطين. بينما أعلن السير ألفرد موند أنه سيركز كل ما بقي من طاقته في تشييد مبنى عظيم في المكان الذي كان يقوم عليه معبد سليمان. قاصداً مكان المسجد الأقصى.
وفي 24/9/1928، وبمناسبة ذكرى خراب الهيكل الثاني حاول اليهود إحداث أمر واقع في الساحة المواجهة لحائط البراق بإقامة ستار للفصل بين الرجال والنساء. الأمر الذي اعترض عليه العرب بشدة، فعمدت سلطة الانتداب إلى إزالة الستار حفاظاً على الوضع القائم، فقام الصهاينة بمظاهرة اعتدوا فيها على قيادة الشرطة بالقدس، وطالبوا بتسليمهم حائط البراق والاعتراف لهم بملكيته. وتمثلت ردة الفعل بعقد اجتماع في المسجد الأقصى تمخض عن تشكيل «لجنة الدفاع عن البراق الشريف» التي دعت لعقد مؤتمر إسلامي عام. وأمام تصاعد التوتر أصدر المندوب السامي البريطاني في تشرين الثاني/ نوفمبر 1928 «كتاباً أبيض» بشأن البراق أكد فيه ضرورة الالتزام بالوضع القائم، وأقر ملكية المسلمين لحائط البراق، كما حق اليهود المكتسب بالزيارة.
وفي آب/ أغسطس 1929 تفجرت «هبة البراق» في غالبية مدن فلسطين بسبب تعدي الصهاينة على ساحته أوقعت 133 قتيلاً و 329 جريحاً يهودياً، و 116 قتيلاً و 232 جريحاً عربياً، وحكم بالإعدام على 25 عربياً، نفذ الحكم بثلاثة منهم وخفض بالنسبة للباقين إلى السجن المؤبد، كما حكم على 1163 عربياً بالسجن ما بين المؤبد والخمس عشرة سنة. وحكم على شرطي يهودي قتل أسرة عربية كاملة بالإعدام، ثم خفض للسجن سبع سنوات. وفرض على العرب غرامة قدرها 1200 جنيه استرليني حُصلت باستخدام السياط. كما يذكر شيخ مناضلي فلسطين الراحل بهجت أبو غربية في مذكراته.
وشكلت عصبة الأمم لجنة دولية للفصل في حقوق الطرفين في حائط البراق. وقد جاء في تقريرها المقدم للعصبة القول: بأن طلب اليهود نزع ملكية محلة المغاربة لدليل على أن نوايا اليهود الحقيقية هي أن يستولوا تدريجياً على جميع الأماكن الإسلامية المقدسة. ولما كانت مطالب اليهود غير مستندة إلى حجة قانونية فمن الواجب ردها.
وتأسيساً على تقرير اللجنة الدولية صدر قانون عن مجلس الملك الخاص من قصر باكنجهام الملكي في أيار/ مايو 1931 متضمناً ما نصه: للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني في الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونها موقوفة حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير.
وهذه هي حقائق التاريخ والقرارات الدولية التي تجاوزها وتنكر لها الرئيس ترامب ونائبه وأركان إدارته في استهدافهم حائط البراق وادعائهم بامتلاك الكيان الصهيوني له، وهو الجزء الذي لا يتجزأ من حرم المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة والمتحف الإسلامي في القدس المحتلة.
admin@afcocpa.aeOriginal Article