هل أنت خائف؟
نور المحمود
هل أنت خائف؟ يأتيك صوت بجواب حاسم «لا»، ويأتيك آخر بنعم مؤكدة.
«لا، لأنني مؤمن، وأترك كل شيء على الله، لذا طردت الخوف ولا أسمح له بالسيطرة عليّ». جواب يحثك على سؤال صاحبه: وهل تتمكن طوال الوقت من التحكم بمشاعرك وأفكارك كي يتغلب الإيمان على الخوف، أم هناك لحظات ضعف تسقط فيها في حالة تيه ورجاء؟ فيرد: لست ملاكاً، لا بد أن أشعر أحياناً بهذا الضعف، ولا بد من السقوط ثم النهوض.
أما صاحب الـ «نعم»، فيأتيك بمبررات كثيرة، يسرد القائمة وكأنه يحكي لك عن الحياة وما فيها: كلمة خوف واسعة، شاملة، تحتضن كل شؤون حياتنا وشجوننا وحتى أفراحنا. نحن كائنات لا تعرف أن تعيش بلا خوف، لا تعرف أن تحب بلا خوف ولا تؤمن بلا خوف ولا تموت بلا خوف.
ماذا يفعل الجنين في أول لقاء له مع الإنسان والحياة والهواء والنور؟ أول ما ينتابه لحظة الولادة هو الخوف. يبكي خوفاً من شيء يجهله، من إحساس غريب تسلل إليه لم يشعر به من قبل. يبكي لافتقاده الأمان والراحة، لإحساسه بأن أحدهم اختطفه من دفء عاش فيه تسعة شهور، من يد انتزعته من رحم أمه لتتركه وحيداً بلا جدار مائي وحبل موصول بحنانها، وحيداً في فضاء واسع، يسمع أصواتاً غريبة، غير نبضات قلب أمه التي صارت لحناً عذباً ينام على إيقاعه.
انظر إلى الأم كيف تبدأ رحلة خوفها على طفلها منذ تكوُّنه في أحشائها وحتى تراه بعينيها. ينضم إليها الأب، وكلما كبر الطفل كبر الخوف، هنا مرض، وهناك ألم أو جرح.. يأتي موعد انطلاق الطفل في الحياة وحيداً، يوم يذهب إلى المدرسة، إنه الخوف المشترك بين الصغير والكبيرين. لحظة انفصال جديدة عن حضن الأبوين الدافئ لمواجهة الغرباء والعالم بكل ما فيه. ماذا لو تعرض للضرب أو الإهانة، أو تعرض له أحد الكبار؟ هواجس كثيرة، والصغير يحسب أن أبويه تخليا عنه، وربما لن يعودا إليه..
يصير الخوف أحياناً مسلسل رعب يؤلفه الكبار، فالطفل صار قادراً على الخروج وحيداً من المنزل، ترى هل سينتبه وهو يعبر الشارع؟ هل سيعرف كيف يحمي نفسه من الأغراب ولا يسمح لأحد بالتحرش به؟ ترى هل يملك من الوعي ما يكفي ليحتاط من ألاعيب الخبثاء والمنافقين، فلا يقع فريستهم سواء في الواقع أم في العالم الافتراضي؟
يكبر الخوف حين يصير الطفل شاباً ويقرر السفر إلى الخارج، ثم يأتي موعد الانفصال الأكبر، حين يمتزج الفرح بالحزن في يوم الزفاف. ومع كل مرحلة، يعيش الإنسان مع ذاته مجموعة هواجس، تنبع من خوفه «على لقمة عيشه»، وعلى أسرته، وعلى بلده، وعلى تأمين مستقبل جيد.. والقلق يصير أكبر حين يتقدم بالسن، فهو يخشى أن يصير عالة على أبنائه أو أقاربه.. ألسنا كائنات لا تعرف أن تعيش بلا خوف؟