هل شركات التكنولوجيا فوق القانون؟
كارا سويشر *
سبق التطور التكنولوجي الذي حدث خلال السنوات الماضية الأنظمة والقوانين الموجودة منذ عشرات السنين، وهي الأنظمة التي لم تتمكن من مواكبة ذلك التطور السريع، فبعد حقبة من التخبط، أدرك المسؤولون وصناع القرار في أوروبا أهمية التماشي مع ذلك التطور، من خلال الإعلان عن قانون حماية البيانات الأوروبي، الذي أعتقد أنه شكل مفاجأة بالنسبة إلى شركات التكنولوجيا الكبرى، من حيث شموليته، وتغطيته للنقاط التي كانت تستغلها تلك الشركات في السابق
تلك الشركات العملاقة شعرت لأول مرة بأن هنالك أنظمة وقوانين بدأت بمواكبة أعمالها التي لم تتمكن جهة تنظيمية أخرى في العالم من التماشي معها، بل إنها شعرت بأنها سبقتها في بعض المجالات، وأصبح القانون الجديد يقف بالمرصاد لأي شيء يمكن أن تفعله تلك الشركات. هذا القانون دفع شركات التكنولوجيا الكبرى إلى تعديل اتفاقيات الخصوصية والبيانات بشكل كبير، وهي التي كانت تستخدمها في السابق، وفي الكثير من الأحيان لأغراض غير مشروعة، لتصبح تلك الاتفاقيات متوافقة مع القانون الأوروبي الجديد.
هذا الأمر يشير إلى قوة القانون وقدرته على ردع الشركات التي استغلت بياناتنا ومعلوماتنا السرية سنوات طويلة، وجنت منها عشرات مليارات الدولارات، وأعتقد أن عدم وجود قانون بهذه القوة في السابق كان دافعاً كبيراً لعمالقة التكنولوجيا والتسويق للتمادي في استغلال البيانات واستخدامها بالطريقة التي تحلو لها، ورغم أن مثل تلك القوانين جاءت متأخرة، إلا أن وصولها الآن يمكن أن يعالج الكثير من المشاكل التي تسببت بها شركات التكنولوجيا.
ومن المثير للدهشة حقاً، هو أن القانون في الولايات المتحدة التي تحتضن الجزء الأكبر من تلك الشركات الكبرى التي تستغل البيانات وتستخدمها بطريقة مسيئة، لم يتمكن حتى الآن من إصدار قانون مشابه لما قامت به أوروبا، وما الكوارث التي تسبب بها عمالقة التكنولوجيا خلال الفترة الماضية إلا دليل واضح على الجرأة الكبيرة التي امتلكتها تلك الكيانات بتخطيها للحدود العرفية لأنشطة عملها.
وقد تمثل رد الفعل الوحيد من جانب المسؤولين في الولايات المتحدة، في الدعوة إلى إجراء مراجعة شاملة لما ارتكبته تلك الشركات، ومن دون اقتراح أي تعديلات قانونية مناسبة، وفي المقابل لم يقدم مسؤولو الشركات سوى الاعتذار الذي أعتقد أنه لا يمكن أن يقدم أي فائدة تذكر. ولا شك في أن هنالك الكثير من المحاولات من جانب الأمريكيين لإصدار قانون مشابه، ولكن التأخر في إصدار تلك القوانين يمكن أن يوسع الفجوة مجدداً إلى مستوى كبير جداً في الولايات المتحدة.
* نيويورك تايمز